أسئلة وتأملات في الدور المسرحي..
2025 ,12 نيسان
يوسف الحمدان:صوت العرب-البحرين.
في العروض المسرحية المختبرية الباحثة التي تروم الخلق والإبداع، عندما يُسند إلى أحد المؤدين دور ما في مسرحية، يحرص هذا المؤدي تمام الحرص على تقديمه كما ينبغي أن يكون عليه تخلقًا وتجسدًا، ويحقق المؤدي هذا الحرص وفق إعداد برنامج واسع المداخل، فهو يتصدى للدور باعتباره ندًا وصديقًا لدودًا وشخصية هلامية غير محددة الملامح، يقرؤه بتأن، يحاوره، يحاول أن يتعرف عليه، أن يكتشفه، وأحيانًا يحيره، لا يعرف بالضبط أو على وجه الدقة من أي اتجاه يذهب إليه، هل يأخذ موقفا منه؟ هل يتعاطف معه؟ هل يتوحده؟ هل يلوذ إلى منطقة الحياد؟ ماذا يفعل؟ كيف يجعله قريبًا منه؟ كيف يتقبله ويهضمه؟ 
يقربه من وجهه، من تفاصيل وتقاسيم جسده، ربما يشبهه أو العكس، يبحث عن سماته، ميزاته، عيوبه، يتلبسه، يحمله معه أينما حل أو ارتحل، يراقبه في عيون الآخرين، في سلوكياتهم، وإذا لم تكن له سلوكيات أو شَبَهٌ من الآخرين كيف يخلق منه شخصية تستوي فيه ويستوي فيها، أو لا تستوي فيه ولا يستوي فيها ولكنه يؤديها مثلما تصورها؟ 
إنه يبحث عن جوانب المهارة والتميز في الشخصية/‏الدور، هل يستطيع أن يكون ماهرًا مثلها؟ متميزًا؟ وإذا لم يستطع، كيف يستطيع أن يحقق ذلك؟ هل من الضروري أن يطلع على كتب التمارين السويدية والسحر والسيرك والخوارق أم يكتفي بمشاهدتها مجسدة حية أمامه؟ وكيف يحقق ما لم يتجسد أمامه؟ وإلى أي حد يكون استعداده الذاتي مهيأ لتجسيد ذلك؟ 
أحيانًا تكون الشخصية المزمع تقديمها نحيفة جدًا، وهو سمين جدًا، كيف يتغلب على هذه المشكلة خاصة ما إذا طلب منه المخرج أن يكون في وزن الشخصية المرشحة له؟
إنه يبذل أقصى طاقته من أجل مقاربة وزنه بوزنها، يحاول أن يكونها جسدًا، يخضع جسده لتدريب رياضي قاسٍ كي يتمكن من التواصل وزنيًا مع الشخصية، يستغني عن رغباته الخاصة والمأثورة لديه، يهرب أو يتخلى عن السلوكيات التي تمارس دورها في تجهيله لدوره، لا يغادر نصه تمامًا، يعايش الشخصية، يشعر أنه دائمًا في حالة استعداد لأداء دوره في أي وقت يُطلب منه ذلك، يشعر أنه يتدرب على دوره ويؤدي دوره في الوقت نفسه، وكما لو أن العرض المسرحي ابتدأ منذ أسند إليه الدور، لا يكف عن مساءلة المخرج، إنه يصادقه، يلازمه، والمخرج لا شك أنه سيساعده في فك بعض الشيفرات المستغلقة والمستعصية لديه، خصوصًا ما إذا كانت الشخصية/‏الدور مركبة جدًا وفي غاية التعقيد من حيث البناء والنسج والتكوين، كشخصية هاملت شكسبير مثلاً، أو كاليجولا كامي، أو تريبيلوف تشيكوف، ولكن هذا المخرج أيضًا سيثير فضوله ومخيلته تجاه بعض ما لم يفكه من المستغلق والمستعصي.
إنه دائب البحث عن كل ما يتعلق بالدور، سواء كان ذلك صادرًا من كتب أو عن مصادر حية، إنه لشدة الولع بدوره أحيانًا، يريد أن يحول الحياة إلى مسرح، فيسرق هذا الدور من يومه ما لا يقل عن الثمان أو التسع ساعات، وربما ما تبقى فهو من نصيب الحلم في اليقظة والمنام. 
وخلال هذا التدريب يصر هذا المؤدي على تقويم بعض مناطق المشكل في جسده وصوته وطاقته، بمعنى أنه يحاول تفصيلها على الدور المناط إليه، وهو يتمكن من تحقيق ذلك يضع في اعتباره ضرورة الإضافة المخصبة إلى ما توصل إليه من تقويم.
إنه لا يكتفي بقراءة دوره كشخصية فحسب، ولكنه أيضا يبحث لها عن بيئة عرض، يعاينها، يؤدي دوره فيها، يتردد عليها، يصادقها، يرى مدى صلاحيتها لدوره، يحاول أن يعرف علاقتها بالشخصيات الأخرى، يهيئ نفسه وجسده عبر هذا التدريب لأي موقف قد يكون صعبًا وإشكاليًا، يهيئ قدرته على تحمله، يختلي بنفسه بعض الوقت، يحيي ويجسد الفراغ المحيط به، يفترش فضاء الدور والشخصيات والعرض في هذا الفراغ. 
وفي مثل هذه الحالات يلجأ المؤدي إلى أحد أهم التدريبات وهو التركيز، والذي عبره يستطيع أن يحدد مواقع دوره في العرض حتى لو كان المسرح عاريًا أو في فضاء غير فضاء عرضه الأساسي، إنه لا يكف عن مشاهدة تدريبات أو عروض مسرحية تيسرت له عبر بعض الفيديوهات، فهي لا شك أنها ستفيده إذا اتصلت بدوره خاصة.
بعض المؤدين يفضلون تخيل أدوارهم في غرفة موسيقية صغيرة هادئة، وبعضهم يمارس خلوته في الضجيج، وذلك كي يكون هذا البعض أكثر قدرة على التكيف مع الدور.
إن هذا المؤدي يُعد أحيانًا ملابس وإكسسوارات الدور في بيته، أو في مقره، ويحاول أن يتدرب وهو يتخيل الشخصية، أحيانا يشعر أفراد عائلته -إذا لم يكن بمفرده- بالضيق وأحيانًا بالمتعة، وهو لا يعنيه سوى هذا الدور وهذا القلق الذي تلبسه وأرقه، إنه يرى ضرورة تفاعله مع دوره أحيانًا تحتم عليه مراقبة الطيور والحيوانات، ففي بعض هذه الطيور والحيوانات ما يغاير المألوف والطبيعة البشرية وما يسمو بالدور ويرجح أهميته، وما يساعد الجسد ويضيف إلى طاقته وهجًا أكثر تجليًا. 
هذا المؤدي لا يلتزم بمواصفات المخرج للدور في الأداء، إنه يخلق هذه المواصفات، ويضيف إليها كل يوم صفات وإيماءات جديدة، هذا المؤدي يبحث عن أسئلة المخرج لا عن إجاباته على الدور، إنه يقرأ دوره في النص أو في المادة الممسرحة وينفذ إلى روحها، ينفذ منها إلى حيث يتشكل من جديد.
إنه المهووس بدوره، لا يشغله شيء آخر عنه، يغويه هذا الدور، لا يغويه مقابل التنازل عنه أيًا كان هذا المقابل.
لا حظنا إذن بعض ما نطمح إلى تحقيقه في أثناء إسناد المخرج دورًا مسرحيًا لأحد مؤديه، إن هذا الدور المسرحي مسؤولية جسيمة حين تناط إلى مؤدٍ مسرحي، وليست مسألة عابرة تافهة وقتية لا تستحق أي اهتمام. 
إن المؤدي الذي يجسد دوره بهذه المسؤولية، من الصعب أن يتخلص منه في مسرحية أخرى، حتى لو كان الدور مغايرًا تمامًا، وهنا يبدأ جهد جديد في المسرح، جهد صعب ومرهق، ولكنه في الوقت نفسه ممتع وآسر، جهد تكويني إبداعي وليس جهدًا مستعاضًا بمسحات وملصقات مبالغ فيها من الماكياج حد مسخ الدور/‏الشخصية/‏الممثل. إن هذا المؤدي وهذه الحال، لا يمكن أن نتصور أنه يقرأ دوره أو يتخيله أو يمكنه تجسيده، إنه فقط يدّعي تشخيصه. 
هامش: 
سُئل أحد الممثلين عن دوره في المسرحية المزمع تقديمها قريبًا، فأجاب بعد حك جبين وفرك جفن: ذكروني... ما اسم الشخصية التي سأقوم بدورها؟!!!
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون