عزة الزفتاوى من لندن:صوت العرب - لندن.
عندما فكر" أكيابا أداى سيبو" مسئول المشاريع الخاصة في مجلس لندن الكبرى ، في إطلاق مبادرة " شهر تاريخ السود " في بريطانيا كان جل طموحه أن يعزز احترام الذات لدى الأطفال و الشباب البريطانيين السود ، من خلال تثقيفهم و التحدث عن إنجازات السود المنحدرين من أصول أفريقية و كاريبية ، من الذين يعيشون في المملكة المتحدة
"سيبو " استلهم فكرته من شهر السود الذي يقام في الولايات المتحدة في فبراير سنوياً ، إلا أن بريطانيا كان لها السبق ، حيث أقيم أول حدث رسمي للاحتفال بهذه المبادرة ، في الأول من شهر أكتوبر من عام 1987 و منذ ذلك الحين تطورت هذه الفكرة إلى حركة وطنية في جميع أنحاء المملكة المتحدة ، وأيضاً في دول أخرى من العالم مثل ايرلندا وهولندا ، بينما جرى الاعتراف رسمياً في الولايات المتحدة بهذا الإرث للسود في عام 1995
أكتوبر شهر الاحتفالية والمصالحة.
يعتبر شهر تاريخ السود ، فرصة للاحتفاء بـ الأبطال المجهولين ، الذين تم تجاهل مساهماتهم لفترة طويلة ونسيانها ، على الرغم من وجودهم في المملكة المتحدة ، منذ العصر الرومانى .. شهر أكتوبر يسلط الضوء على مزيد من تاريخ بريطانيا السوداء الثري و المتنوع ، ويدعم التصدي للعنصرية و للروايات الضارة عن مجتمعات الأقليات العرقية .
ماذا يعرف البريطانيون عن تاريخ اصحاب البشرة السوداء ؟.
مع إقرار بريطانيا الرسمية انه تم تجاهل تاريخ السود في التعليم الغربي ، و تبسيطه بشكل مبالغ فيه ومليء بالمغالطات ، تأتي نتائج استطلاع للرأي ، تكشف أن أكثر من نصف البريطانيين لا يعرفون سوى القليل عن تاريخ البريطانيين السود لدرجة أنهم لا يستطيعون تسمية شخصية تاريخية واحدة سوداء ، كما أعرب باحثون بريطانيون عن صدمتهم من تقليل 53 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي ، من حجم تورط بريطانيا في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي بينما يعتقد 12 في المائة فقط من البريطانيين أن أكثر من مليون شخص ، تم اختطافهم على الرغم من أن الرقم الحقيقي يزيد عن ثلاثة أضعاف هذا العدد
بريطانيا مطالبة بدفع تعويضات بسبب تجارة الرقيق .
أتفق 15 من قادة حكومات كاريبية أعضاء مجموعة الكومنولث على طرح مسألة تعويضات تجارة الرقيق للنقاش الجاد ، ومطالبة ملك بريطانيا تشارلز الثالث ومعه الحكومة البريطانية بدفع تعويضات مالية ضخمة تقدر بقيمة 200 مليار جنيه استرليني عن الاستعمار والعبودية كجزء من إعادة ضبط عالمية جديدة .
تأتي هذه المطالبات وسط تزايد المشاعر المؤيدة للانفصال عن التاج البريطاني في منطقة البحر الكاريبي . كانت كنيسة انجلترا قد أعلنت العام الماضي 2023 عن إنشاء صندوقاً بقيمة 100 مليون جنيه استرليني لسداد التعويضات ، اعترافاً منها بأنها استفادت في الماضي من تجارة الرقيق .
ديڤيد لامي ، عندما كان وزيراً للخارجية في حكومة الظل ، قد قال إنه سيأخذ مسؤولية كونه أول وزير خارجية ينحدر من تجارة الرقيق على محمل الجد .
هل يؤثر شهر تاريخ السود في كسر الصورة النمطية ؟
أكد العديد من مراكز الأبحاث و الدراسات الاجتماعية في بريطانيا ، أن الحاجة أصبحت ملحة الان و أكثر من اى وقت مضى ، بضرورة استكشاف سجلات التاريخ لتوجيه أساليب التفكير ، و الحديث عن مسالة العرق ، لا يعنى ذلك مجرد استحضار الحقائق التي يتم تعلمها في مدارس بريطانيا ، و لكن البحث عن وجهات النظر التي أهملت في الكتب المدرسية لفترة طويلة ، و التساؤل عن سبب عدم دراية الناس بها ، حتى يتم التخفيف من حجم شعور الأقليات العرقية في بريطانيا ، بالإحباط والقلق الوجودي ، خاصة عندما يشاهدون الإعلامى البريطاني المشهور" بيرس مورغان " ، يتحدث بأشياء غير صحيحة عن تاريخ السود في بريطانيا ، خاصة عندما توجه إلى أحد الأكاديميين من أصحاب البشرة السوداء بسؤال لماذا تعيش في بريطانيا
استعادة السرديات .
مع انطلاق شهر تاريخ السود في كل عام ، يتم الإعلان عن المبادرات و الموضوعات التي تحمل عناوين تركز على الجهود المبذولة من أجل النهوض بالحقوق المدنية في المملكة المتحدة والمطالبة بوضع حد لعدم المساواة العرقية في التعليم والصحة والتوظيف ، كما تنظم هيئات و مؤسسات أكاديمية وثقافية منها جامعات أكسفورد و لندن وبرمنجهام و معهد الدراسات المتقدمة ، برامج حافلة بالفعاليات والمحاضرات والتجمعات الاجتماعية و المعارض في جميع أنحاء المملكة المتحدة ، كما تدور نقاشات حول الماضي الاستعماري البريطاني
شهر تاريخ السود هذا العام ، يأتي بعد احتجاجات وأحداث عنف و شغب ، شهدتها مدن بريطانية عديدة في صيف هذا العام 2024 ، تحمل طابعاً عنصرياً معادياً ، تظهر أن قضايا العنصرية مازالت راسخة في الأجندة البريطانية وبات من الملح أكثر من أي وقت مضى ، ان نستكشف سجلات التاريخ … لذا جاء موضوع احتفالية العام الحالي 2024 تحت عنوان : " استعادة السرديات " بمثابة صرخة مدوية لكل السود في جميع أنحاء العالم ، لكي يكونوا رواة لقصصهم الحقيقية ، و التذكير بأن هذا الشهر ، لا يتعلق فقط بالتأمل في ماضي بريطانيا الاستعماري ، بل يتعلق أيضا باستعادة ملكية القصص ، التي تحدد الثقافة والهوية ، وما يعنيه أن يكون شخص ما من أصحاب البشرة السمراء يعيش في بريطانيا منذ فترة طويلة جدا . كما يدعو شهر أكتوبر شهر تاريخ السود إلى التفكير في الأخطاء التاريخية و تصحيحها ، مع تسليط الأضواء على الإنجازات التي لا توصف للتراث الأسود ، سواء داخل المملكة المتحدة أو على مستوى العالم
رواد سود غيروا معالم بريطانيا نحو الأفضل
يعد شهر تاريخ السود الفترة المثالية لتكريم السود داخل المجتمع البريطاني ، الذين ساعدوا في بناء بريطانيا في مجالات شتى في وقت لايزال الكثيرون يشككون إلي حد كبير في شرعية القيام بذلك
الحديث عن الحصاد و الإنجازات التي حققها الرواد والأبطال السود ، عددها كبير ، حيث المجالات كثيرة التي يواصل السود فيها تفوقهم وتألقهم ، وما العلوم و القانون و الأدب و الرياضة و الموسيقى و الصحافة و الإعلام و النشر و الهندسة المعمارية و التعليم سوى غيض من فيض .
أصبحت الممرضة الچامايكية " مارى سيكول " مادة شائعة في دروس التاريخ المدرسية ، حيث قصتها الملهمة للأطفال ، بعد أن تحدت المواقف العنصرية في القرن التاسع عشر ، وابحرت حول العالم لعلاج الجنود الجرحى و المصابين بالأمراض في ساحات حرب القرم ، لذا تم في عام 2004 التصويت لصالحها و اعتبارها أعظم بريطانية سوداء .
عينت " مارغريت باسباى " أول ناشرة سوداء في بريطانيا ، رئيسة نادي القلم الدولي البريطانية ، احدى أقدم المنظمات الحقوقية في العالم .
احتفلت النائبة البرلمانية " ديان أبوت " بمرور 36 عاما على نيلها لقب أول امرأة سوداء ، تشغل مقعداً في البرلمان البريطاني ، و لاتزال تواصل دورها باعتبارها عضو البرلمان الأسود الأطول خدمة في تاريخ بريطانيا .
" موييوا اوكي " استلم مهامه كأول رئيس أسود للمعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين .
مؤخرا أعلنت مؤسسة قناة اخبار التلفزيون المستقلة " اى تى ڤي " تعيين ديبي رامزى لرئاسة تحرير القناة الخامسة ، لتصبح أول شخص أسود يترأس شبكة إخبارية رائدة في بريطانيا .
إلي المهتمين بتأثير السود في موسيقى البوب ، فقد أصبح مغنى الراب " ستورمزي " أول مغن بريطاني أسود ، يقدم أداءً منفرداً في مهرجان غلاستونبري البريطاني العالمي للموسيقى العام الماضى 2023
كما فازت فرقة الجاز الديناميكية " ازرا كوليكتيف " المعروفة بقدرتها على تضخيم و زيادة قوة النغمات البريطانية الحديثة ، بجائزة ميركوري
فى العام الماضى .
كما نجحت " جيسيكا ايانابا " في أن تصبح أول محامية عمياء و سوداء في بريطانيا
و أصبح " جايسون اردى " عالم الاجتماع أصغر بروفيسور أسود في تاريخ جامعة كامبريدج البريطانية العريقة ، ومن المعروف أنه لم يقو على القراءة أو الكتابة ، حتى سن ال18 ، كما أنه عمل بدوام جزئي في السابق لدى سلسلة من أكبر متاجر السوبر ماركت البريطانية
تاريخ يكتب كل يوم.
صحيح أن كل هذه النجاحات وغيرها الكثير ليست بأي حال من الأحوال شاملة ، إلا أنه من الحيوي ، أن ندرك أهمية الثروة الكامنة وراء الإنجازات الإيجابية ، التي تتحقق يوماً بعد يوم ونستلهم منها ، ففي النهاية تاريخ السود يكتب كل يوم .