2025 ,13 أيار

ناجح حسن:صوت العرب - الاردن.
ضمن فعاليات ليالي الفيلم اللبناني التي تنظمها لجنة السينما في مؤسسة شومان بالتعاون مع نادي لكل الناس في بيروت.يعرض غدا الأربعاء 14/5/2025،ثاني أفلام الليالي اللبنانية"كوستا برافا"،الساعة السادسة والنصف،في مقر المؤسسة - جبل عمان.
يشكل فيلم "كوستا برافا" لمخرجته اللبنانية منية عقل، إضافة نوعية للسينما اللبنانية الجديدة، تبدو فيه لغته الجمالية والدرامية ذات منحى مبتكر باتكائه على معايير يجري فيها تصوير أحوال أسرة اختارت أن تقطن في بيئة ريفية ذات طبيعة خلابة، بعد أن وجدت في المدينة الكبيرة تلوثاً بيئياً، ثم لا تلبث الأسرة أن تواجه أزمة تتعلق باختيار منطقتهم الريفية الجديدة لتكون مشروعا لمكب نفايات في أرض مجاورة لسكن الأسرة، وفي هذا المناخ يدور نزاع بين الأسرة وأفراد ومؤسسات وجهات حكومية عملوا على هذا المشروع .
تبرز المخرجة ألوانا من الضغوط القاسية، التي تعرضت لها الأسرة بسبب وقوفها ضد المشروع، الامر الذي اثّر على طبيعة عيش العائلة، فهي منقطعة عما حولها، لا زيارات ولا اختلاط، بينما يلاحقها همّ النفايات وتلوث البيئة بشكل خطر من دون أن تنفع محاولات التواصل مع المسؤولين، الذين كانوا يخبرونه بأن المكب مدعوم من شخصيات في الحكومة وممول من فرنسا، وأن المكب سيعتمد المعايير العالمية، وأن النفايات سيعاد تدويرها، لكن لم يكن أحد يدرك حجم التغول الكامن لدى الفاسدين، وهو ما قاد الى أزمة جديدة أخذت تعصف بحياة الأسرة.
صوّرت المخرجة عقل، التي درست الهندسة المعمارية في لبنان، لكنّ شغفها بالفن السابع دفعها إلى نيل شهادة الماجستير في السينما من جامعة كولومبيا الأميركية، واقعاً عاشته عائلات كثيرة، عندما اضطرت إلى إخلاء مساكنها إثر أزمة النفايات التي بلغت ذروتها في لبنان العام 2015، وأشعلت حركة احتجاجات غاضبة في الشارع اللبناني.
أدى الدور الرئيسي بالفيلم الذي اختاره لبنان لتمثيله في المنافسة على جوائز الأوسكار لعام 2022، الممثلة والمخرجة نادين لبكي، وإلى جوارها الممثل الفلسطيني صالح البكري، في دوري الزوج والزوجة، وهناك الممثلة اللبنانية ليليان خوري في دور الجدة، وجرى تصوير الفيلم في ظروف صعبة عقب مأساة انفجار مرفأ بيروت، ويمكن اعتبار "كوستا برافا" من بين أبرز الأفلام التي تتناول عالم البيئة ومناخات الطبيعة الخلابة رغم أنه سبق وصورته الكثير من الأفلام، سواء الروائية أو التسجيلية منها، ولكن فيلم منية عقل حضر على نحو مختلف ومميز عن أغلبية ما سبق إنتاجه من أفلام عن الأخطار الجسيمة التي تهدد الانسان والبيئة جراء ما نشهده من تغول رجال الأعمال وأصحاب المصالح والنفوذ في تغيير مفاهيم وقواعد الحفاظ على بيئة سليمة من الاخطار المحدقة بهذا العالم ومفاهيمه الاستهلاكية.
برعت المخرجة في التعبير عن مأساة هذا العصر، وهي ما يلحق الناس البسطاء من ظلم غير شرعي في عيشهم الهادئ، فراراً من زحام وتلوث المدينة الكبيرة، بعد ما عانته من الحروب الأهلية والعنف الذي مارسته قوى وجماعات سياسية متناحرة، ولا تأتى أهمية الفيلم من تعبيره عن هذا الموضوع الذى يشغل العالم كله، وإنما لأسلوبه في التعبير عنه كما في كل عمل فني بديع، فالفيلم لا يسير في خطاب درامي مباشر بدعوته الى الاعتناء بالبيئة ومفرداتها الطبيعية الخلابة، وإنما يعبر عن هذه القضية باعتبارها مأساة إنسانية، مزنرة بأسلوب السينما الخالصة الذى يتجاوز التسجيلي والروائي إلى دراما ما بعد الحداثة بامتياز.
والنتيجة فيلم "كوستا برافا"، من بين تلك الأفلام القليلة التي أُنجزت عن أسئلة الإنسان اللبناني الصعبة وهمومه وتطلعاته، ويكاد أن يكون وثيقة سمعية بصرية سينمائية أشبه بالمرثية للمدينة الكبيرة التي تكاد أن تضيع، مثلما يربط أيضا بين مصير شخوصه مع مصائر مجتمعات إنسانية، طالما ظلت تعاني بصمت من قضية الفيلم وما يطرحه من هواجس وآلام، ولكنه يتجاوز موضوعه إلى آفاق إنسانية رحبة مفعمة بتأملات فكرية خصبة.