*الحمدان والمسرح صنوان.
2025 ,06 أيار
د.عبدالقادر المرزوقي :صوت العرب-البحرين.
الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أسعد الله مساءكم بكل الخير
اسمحوا لي في البداية أن أعبر عن جزيل شكري وعظيم امتناني للدعوة الكريمة التي شرفني بها الأخ والصديق الناقد المسرحي يوسف الحمدان لتقديمه في حفل تدشين كتابه " السعداوي مسرح بلا حدود"، وقبل أن أسرد عليكم سيرته الذاتية أود أن أسجل شيئا مهما في حق هذا الرجل، فيوسف الحمدان صديق قديم أعرفه منذ سنيه الأولى حينما كان طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وعهدته مثابرا في عمله المسرحي منذ البدايات الأولى لإنغماسه في الهم المسرحي، ويوسف الحمدان لم يدرس النقد المسرحي ليكون ناقد مسرحيا فحسب، بل انّه مسرحي قبل أن يكون ناقدا مسرحيا وقل نظيره، ولعلني لا ابالغ أن قلت أنّه الوحيد والمتميز في هذا المجال في المشهد المسرحي البحريني، فهناك الكثير من درس النقد المسرحي ولكنه توقف عند هذا الحد، وهناك أكاديميون مارسوا النقد التنظيري دون أن يمارسوا المسرح كتأليف وإخراج وتمثيل، فهو نابع من بين صخور وتربة المسرح، فإليه كل التحية .... 
وبعد فيوسف الحمدان هـو ( استعراض سيرته الذاتية )      
وبعد هذا العرض لسيرة الناقد المسرحي يوسف الحمدان أود التأكيد على أنّ هذه الورقة ليست قراءة نقدية أو تحليلية للكتاب، فتلك تحتاج إلى وقت متخصص وقراءة تفكيكية للمتن الخطابي للكتاب، فما أسرده عليكم هي قراءة سريعة لما احتوى عليه الكتاب من منطلق التعريف بالجهد الذي قدمه لنا الكاتب والناقد يوسف الحمدان. 
في هذه الجلسة العلمية والأمسية  المسرحية الفنية نقف أمام ظاهرة كتابية اشكالية تحتوي على قصدية المؤلف الظاهرة وقصدية المؤلف المضمرة، فهذا الكتاب الموسوم بـ " السّعداوي مسرح بلا حدود" كتاب يدفعك للوقوف على مفاصله وانثناءاته المتمددة نحو افق معرفي جميل.
فهذه الورقة كما ذكرت سابقا ليست قراءة نقدية متعمقة لهذا المتن الكتابي، وإنما هي محاولة لتسليط الضوء على محاور الكتاب وفي الوقت نفسه لبيان الحالة الخطابية التي امتاز فيها الناقد المسرحي يوسف الحمدان.
في البدء نجد أنّ تصميم الكتاب جاء مغايرا عما درجت عليه الكتب في شكلها الطباعي، فهو  ليس على نظام الـ A5 أو الـ  A4 وهو ما يشي بأنّ ما يحتويه هذا الكتاب شيئا مغايرا في نهجه ومادته العلمية. هذا الكتاب يحتوي على 364 صفحة معززة بصور للراحل عبدالله السعداوي، و هو من إصدار الهيئة العربية للمسرح في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويحمل الكتاب رقم 163 من سلسلة دراسات الصادرة عن الهيئة العربية للمسرح. 
في قراءتي الأولية المتواضعة لا بد أن أشيد بأمرين لافتين: الأول هي اللغة الأدبية التي سادت صفحات الكتاب، تلك اللغة التي تنم عن عمق كاتبها اللغوي وقدرته على تسخير تلك اللغة بانزياحاتها الفنية لفتح شهية المتلقي والدخول في أضابير متعة التحول المتسامي في فضاءات الخطاب النّصي للكتاب، وحينما أصنف لغة الكتاب بأنها أدبية، فأعني أنها ليست لغة الصحافة، كما أنها ليست لغة الحوارات العادية.
أما الأمر اللافت الآخر هو تلك الرؤية المركبة للفهم المسرحي، وقد تكون تلك الرؤية مستوحاة من رؤية السعداوي في تضامنها مع رؤية يوسف الحمدان، وهي رؤية عصيّة على الفهم التقليدي للمسرح.     
يحتوي الكتاب على ثمانية فصول أو مداخل كما أثبتها الناقد يوسف الحمدان وهي على التوالي ذاكرة الولع الأولى بالمسرح، قراءات في بعض عروض السعداوي، ذات لقاء، مسرح بلا حدود، بوح 223 ، وقفات 241 .
حاولت بمراجعتي للكتاب أن أضعه تحت تصنيف فني وتجنيس ابداعي معين، فبدأت الأسئلة تتوالى على قلمي،  فهل هو سرد تاريخي لمسيرة الراحل السعداوي أم هو سيرة غيرية للسعداوي، أم هو عمل يبحث في منهجية المسرح؟ فوجدته جامع لكل تلك الاحتمالات، لذلك أرى أنّ لغة النّص الخطابي لغة عابرة لا تنزع إلى التجنيس، فحدودها قد تداخلت واختلطت بمزيج الحروف لتنتج للمتلقي عملا ذات خصائص فكرية تستنهض وعيه وفكره في منظومة التحليل.
ففي المدخل الثاني والموسوم بـ " قراءات في بعض عروض السعداوي"تتبدى لنا هواجس الناقد المسرحي يوسف الحمدان متفجرة خلف فضاء لغة الوعي بمكونات النّص المسرحي، وهو فضاء الرؤية القصدية التي يتكوّن منها النّص. وهكذا يجول الحمدان في تعاريج معالجته النقدية متتبعا هاجس إعداد النص وكيفية تصدي المخرج عبدالله السعداوي لأحد النصوص الإشكالية والتي مثلّت تجربة فريدة مسرحيا في حركتنا المسرحية كما يرى الناقد المسرحي يوسف الحمدان.   
وتتقافز قراءات العروض السعداوية في رؤية الناقد يوسف الحمدان ليواجهنا بأسئلة لا نستطيع الإجابة عليها بسهولة، فهي أسئلة تتراوح بين مصائر واقعية معاشة ومصائر غامضة مؤولة. أسئلة تستبطن المضمر في رؤية المخرج للنصوص التي تم عرضها منها: تجريب الممثل في مسرحية الرجال والبحر، مسرحية الرهائن ، مؤلف ضاع في نفسه الكمامة بين البحرين والقاهرة ، السعداوي والقربان ومسرح الأسئلة، منزل فوق غيمة.
ويمثل المدخل الرابع في هذا الكتاب المهم في الحركة المسرحية محورا جوهريا وأساسا، إذ أنّه يرسم نهجا لا يقتصر على استحضار خيوط المسرح من أي مكان ومن أي تاريخ، بل كانت مهمته المعاصرة هي اتقان صناعة فن المسرح، فهو ليس قاضيا يحكم بين الصواب والخطأ، بل هو ممارس مسرحي يبحث عن غرائبية العمل المسرحي ومواطنها المجهولة ويصوغها بطريقة يمتزج فيها الفن المسرحي بالرؤية الفنية بحيث تأتي منسجمة مع وعي بناء الإنسان .
أما القسم الذي تفضي إليه عرض الشهادات والمقولات عن مسرح السعداوي فهو يعرض في الحقيقة بنية شكلية عن مفهوم المسرح بصحوته الجديدة خروجا عن المسرح التقليدي، وهذا ما أثبته المهتمون بالحركة المسرحية في الخليج والعالم العربي.
وأود في هذه العجالة من القراءة الأولية للكتاب أن أقف برهة عند المدخل الثامن والمتضمن هذا الطرح الجريء والمشاكس في الوقت ذاته وهو " مسرح الشحنة.. تصور أولي لمسرح مغاير" فأنت منذ الوهلة الأولى أمام خطاب يتسم فيما يتسم به هو أنّه خطاب تتجلى فيه أدبية النًص، بل إنّ  هذه السمة تكاد تكون الظاهرة التي لا يمكن لمتذوق الكتابة أن تفر عنه، هذا الفصل من الكتاب هو ذات يوسف الحمدان في تلبسه بالمسرح، اقتبس من هذا الفصل وأختم به هذه القراءة، يقول الحمدان:
" إنّ مسرح الشحنة .. مسرح أعزل، لكنه لا يتسول..إنّه يتفاعل .. يلملم بقاياه بأشرعة الحلم الّورسية وبالدهشة الطفلية من الساكن، والسائد، والغيبي والغامض، والمبهم، والمجهول، إنّه يبحث عن غمده في إنشائية التشكل ، وفي خلوات المدىوفي صلوات الرؤى، يتحدى أبدا، لا يستعصي عليه أمر الرحيل من كوابيس التكلس."
وفي ختام هذا التجوال المتواضع في دهاليز هذا الكتاب أقول أن هذا الكتاب " السعداوي .. مسرح بلا حدود" كتاب مرجعي لمن يعايش الهمّ المسرحي، وفي الوقت ذاته كتاب معرفي يؤسس لوعي مسرحي متقدم. 
ختاما أشكر لكم حسن استماعكم .. وأفسح المجال الآن للناقد المسرحي يوسف الحمدان ليتحدث عن كتابه في دقائق قليلة فاسحا المجال لمقتنيي الكتاب من الإبحار في مضامينه.                 
*حفل تدشين كتاب " السعداوي مسرح بلا حدود"للناقد يوسف الحمدان
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون