غدا الخميس في مؤسسة شومان:ختام ليالي الفيلم اللبناني بالفيلم الوثائقي”خمسون”للمخرج “مارون بغدادي”.
2025 ,15 أيار
صوت العرب:الاردن.
 تختتم فعاليات ليالي الفيلم اللبناني التي تنظمها لجنة السينما في مؤسسة شومان بالتعاون مع نادي لكل الناس في بيروت.يعرض  ،بعرض اخر أفلام الليالي اللبنانية"خمسون"، للمخرج"مارون بغداد"،وذلك الساعة السادسة والنصف مساء،يوم غد الخميس 15/5/2025في مقر المؤسسة - جبل عمان.ويلي العرض نقاش بحضور كل من "نجا اشقر" و"حسن نعماني".
يوثق فيلم "تسعون" لقاءً مطولاً مع الأديب والمفكر اللبناني ميخائيل نعيمة في التاسعة والثمانين من عمره. صوّر المخرج مارون بغدادي الفيلم في عام 1977، بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، متنقلاً بين قرية نعيمة الأصلية بسكنتا، وخلوته في الشخروب، وبيته الساحلي في الزلقا، كما تضمّن الفيلم زيارة إلى متحف جبران في بشري. يتناول الحوار محطات حياة نعيمة المختلفة: طفولته، تعليمه، غربته في نيويورك، علاقته بالطبيعة، رؤيته للسياسة والحرب، موقفه من المرأة والطائفية، صداقته مع جبران خليل جبران، وتأملاته العميقة في الإيمان والوجود.
تكمن أهمية الفيلم في كونه وثيقة نادرة تُظهر أحد أبرز رموز النهضة الأدبية والفكرية في المشرق العربي في أواخر حياته، وهو يتحدث بوضوح ذهني ملفت عن مسيرته وأفكاره. لقد اختار بغدادي أن يصوّر نعيمة في بيئاته الحقيقية التي شكّلت وعيه وفكره، ممّا يمنح المشاهد فرصة لرؤية المفكر في علاقته مع المكان الذي طالما ألهمه وكان موضوعاً لكتاباته.
يمثل هذا الفيلم واحداً من أعمال مارون بغدادي المبكرة، قبل أن يتحوّل إلى أحد أهم مخرجي السينما اللبنانية في الثمانينات. فهو نافذة على بدايات مخرج بارز، وهذا له أهميّة سينمائية كبيرة. وفيه يظهر توجّه المخرج نحو الوثائقي الحواري المباشر، مع عناية خاصة بتصوير البيئة المحيطة بالشخصية. وقد استطاع من خلال كاميرا حسن نعماني أن ينقل المشاهد إلى عالم نعيمة الداخلي والخارجي في آن واحد، كما تساعد أصوات الطبيعة والموسيقا المصاحبة (التي تصمت طويلا) على اندماج المتلقي في الفيلم.
يعلّمنا هذا العمل درساً مهماً في صناعة الأفلام الوثائقية، وهو قيمة التوثيق البصري للشخصيات الثقافية المؤثرة. فبدلاً من الاكتفاء بكتابات نعيمة، يمنحنا الفيلم الفرصة لرؤية طريقة تفكيره وتعبيره الحي. وتكمن قوة الفيلم تحديداً في بساطة مقاربته، إذ يفسح المجال لنعيمة للتحدث بحرّية دون تدخل سردي مفرط، مما يجعل من هذه الوثيقة أقرب إلى سيرة ذاتية مصوّرة ومُسجّلة بصوت صاحبها.
من الناحية التقنية، يتّسم الفيلم بأسلوب توثيقي مباشر يعكس إمكانيات السينما اللبنانية في تلك الفترة، وهي فترة كانت فيها الأفلام الوثائقية في لبنان مرتبطة بشكل وثيق بالشخصيات الثقافية والأدبية. ويأتي هذا العمل في سياق اهتمام السينما العربية آنذاك بالتأريخ البصري للشخصيات المؤثرة في الثقافة العربية، وهو نمط سينمائي لم يحظ باهتمام كافٍ من الأرشفة والحفظ، ما جعل الكثير من هذه الأعمال عرضة للضياع، كما حدث مع هذا الفيلم نفسه الذي فُقد لعقود.
فمن المؤسف أن هذا الفيلم عُرض لأول مرة في المركز الثقافي الفرنسي عام 1981، ثم فُقد لعقود طويلة، حتى تم العثور عليه ورقمنته وعرضه مجدداً في عام 2021. وهذا يسلط الضوء على مشكلة حفظ التراث السينمائي العربي، خاصة الأفلام الوثائقية ذات القيمة الثقافية الكبيرة، والتي غالباً ما تُنتج بميزانيات متواضعة ولا تحظى بانتشار تجاري واسع.
"تسعون" هو شهادة حيّة من أحد أهم رموز الفكر العربي الحديث، وسجلّ بصري نادر لشخصية كان لها تأثير عميق في الثقافة العربية. إنه يمثل درساً في كيفية مقاربة السينما للأدب والفكر، والطريقة التي يمكن بها للكاميرا أن تكون أداة توثيق للذاكرة الثقافية جنباً إلى جنب مع الكتب والمخطوطات.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون