هاجر سلامة:صوت العرب - القاهرة.
اسعدني الحظ بحضور حفل توقيع ديوان " يكشط العدم باظافره ويقهقه " للشاعر محمد الكفراوي بمقر المركز الدولي للكتاب بمنطقة وسط البلد مساء امس ، والذي صدر عن سلسة الإبداع الشعري بالهيئة المصرية للكتاب، و حضر الندوة لفيف من الأدباء والنقاد والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي، بالإضافة إلى الجمهور من محبي الشعر.
رحب بالحضور الكاتب المسرحي والسيناريست عماد مطاوع ، الذي أشار إلى أهمية الديوان الجديد في المشهد الشعري الراهن، وتناوله لثيمات عميقة ومبتكرة.
تلا ذلك عدة مداخلات نقدية تحليلية للديوان، قدمها كل من ، الناقد الدكتور رضا عطية ، الشاعر الروائي اسامة الحداد وقد أثرى النقاد الحضور بتحليلات معمقة لمضامين الديوان وأبعاده الفنية والجمالية، مسلطين الضوء على فرادة تجربة الكفراوي الشعرية.
تخلل الندوة فقرات شعرية ألقى خلالها الشاعر محمد الكفراوي باقة مختارة من قصائد الديوان، لاقت استحسان وتفاعل الجمهور .
ويتضمن الديوان ٦٥ قصيدة نثرية باللغة العربية الفصحى، وصمم الغلاف الفنان أحمد اللباد ويعد هذا الديوان الرابع للشاعر محمد الكفراوي.
يتميز الكفراوي بامتلاكه ناصية اللغة العربية الفصحى،وتكوين صورة سينمائية من خلال الكلمات ،فهو ليس مجرد ناظم للكلمات، بل فنان تشكيلي يستخدم الحرف والنحو والصرف ليبني لوحات شعرية متكاملة.
قدم الكفراوي قصائد نثرية تتميز بعمقها الفلسفي، وشفافيتها العاطفية، وقدرتها على مخاطبة الوجدان والعقل في آن واحد ، وخلق إيقاعًا داخليًا خاصًا ينبع من قوة الصورة، وعذوبة اللفظ، وتناسق الأفكار. هو يفكك القصيدة من قيود الوزن الظاهرة، ليمنحها حرية التعبير عن مكنونات النفس البشرية بتلقائية وصدق. لا يعني ذلك فوضى في التعبير، بل على العكس تمامًا، فقصائده النثرية تتسم ببناء محكم، وترابط فكري، وعمق دلالي يجعلها لا تقل قوة وتأثيرًا عن القصائد العمودية أو قصائد التفعيلة.
استطاع الكفراوي أن يثبت أن الشعر النثري ليس مجرد كلام منثور، بل هو فن رفيع يتطلب حساسية فائقة للغة، وقدرة على الخلق والابتكار، ورؤية فلسفية عميقة للحياة والكون.
منذ الوهلة الأولى، يلفتنا العنوان نفسه، فهو يحمل في طياته دلالات عميقة وموحية. "يكشط العدم بأظافره" يثير صورة الإنسان، وهو يحاول أن يصارع الفراغ، أن يقاوم اللاوجود، أو ربما أن يخدش سطحًا متيبسًا من اليأس الذي يغطي الوجود. أما "ويقهقه"، فهي تضيف لمسة من السخرية المريرة، أو الضحك الأسود الذي ينبع من عمق الألم والعبثية، كأنما يتحدى هذا الكائن العدم بضحكة يائسة .
أحيي الفنان أحمد اللباد الذي استطاع من خلال الصورة أن يعبر عن مضمون الديوان بكل ما يحمله من تناقضات ، حيث جسد ببراعة الفكرة المحورية التي تدور حولها القصائد: صورة الإنسان في مواجهة همومه، وتحديدًا تصويره على هيئة عصفور يحترق رأسه. هذه الصورة ليست اعتباطية، بل هي رمزية فائقة الدلالة تشير الي الأفكار السوداوية والقلق الوجودي الذي يتخلل صفحات الديوان.
العصفور: يرمز العصفور عادة إلى الحرية، الخفة
البراءة، وحتى الروح. هو كائن هش بطبيعته،سريع العطب، ويمثل غالبًا جانبًا رقيقًا من الوجود. في سياق الديوان، يعكس العصفور ضعف الإنسان وهشاشته أمام قوى أكبر منه، سواء كانت هذه القوى متمثلة في الظروف المحيطة، أو الأسئلة الوجودية الكبرى، أو حتى الصراعات الداخلية.
الرأس المحترق: هذه هي اللمسة الأكثر إيلامًا ورمزية. احتراق الرأس لا يشير فقط إلى الألم الجسدي أو المعاناة الظاهرية، بل إلى الاحتراق الداخلي، والقلق الذي يعصف بالفكر والعقل. إنه تصوير بليغ" لجملة يشيط عقلي " التي لا تتوقف عن التفكير في هموم الحياة، والعبثية، والاسئله الوجودية .
بعثت قصيدة 'ذكريات' في نفسي تساؤلات ملحة عن الماضي والحنين، عن الأثر الذي نتركه في الآخرين، وعن فضولنا تجاه ماضي الآخرين.
وأعتبر قصيدة "شخص " هي إهداءً خاصًا لكل من تسبب في أذيتنا وسعى لمحو أثرنا في الحياة.
وقدمت قصيدة "سيل" تساؤل حول قوة الإنسان وتحمله لصراعات الحياة " مُصارع انت أم بهيمة ؟
أدعو محبي الشعر ومتذوقيه لقراءة هذا الديوان الذي يُبرهن على تطور الشاعر محمد الكفراوي وتمكّنه الفائق من أدواته الشعرية
وفي ختام الندوة، قام الشاعر بتوقيع نسخ الديوان للحاضرين، والتقط الصور التذكارية مع محبيه، في أجواء اتسمت بالود والتفاعل الثقافي.
وتعد هذه الندوة تأكيدًا على حيوية الحركة الشعرية في مصر.
تصوير: رانيا اشرف .