المسألة أكبر من توجّهات سعيّد!!.
2022 ,16 أيار
الرئيس التونسي قيس سعيد
*د.خالد شوكات:صوت العرب – تونس.
على الرغم من خطورة ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيّد يوم 25 جويلية و22 سبتمبر 2021، باعتباره تهديدا خطيرا لمسار الانتقال الديمقراطي الذي انطلق قطاره قبل عشر سنوات من هذا التاريخ، إِلَّا أنَّ لدي اعتراضا عميقا على المسلكية السياسية والحزبية التي تريد أن تختصر الأزمة في "فعلة الرئيس" على مكرها، وترى حلّها -أي الأزمة-  في مجرّد إزاحة سعيّد من منصبه، والعودة - هكذا بسهولة- إلى ما كنّا عليه، فهذا الاستسهال والاختزال لا يدلّ على استيعاب الدرس الذي يجب ان يستوعب واخذ العبرة من الزلزال الذي وقع كما يقتضي الاعتبار. 
وهنا بعض النقاط الموجزة للمسألة كما أراها وأقدّرها:
أوّلاً: بدا واضحا أن الشعب التونسي ليس لديه في مجمله أي احترام أو تقدير للتجربة التي حصلت طيلة عقد من الزمان بعد الثورة. وهنا لا يستطيع أحد أن يقود شعبا إلى الجنّة بالسلاسل، حتى ولو كانت هذه الجنة هي الديمقراطية. علينا أن نبحث فكريا وسوسيولوجيا وعلميا في هذه الحقيقة الواقعية جيّدًا، وفي مشتقاتها من قبيل الموقف الشعبي الكاره للأحزاب وللنخبة السياسية والمشكك في سلوكها والمرتاب في غاياتها والمتهم لها بالفساد. 
ثانيا: ظهرت جليًّا متانة الصلة بين الديمقراطية والتنمية. علينا التوقّف اذاً في سلوك النخب الحاكمة، بأقدار حكمها، ولماذا لم تولي المسألة التنموية الأولوية التي تستحق، وكيف جعلت النخب من حاجاتها أولويات بدل حاجيات عموم المواطنين، حتى كفر عموم المواطنين بالديمقراطية في ظرف زمني قياسي.
ثالثا: كيف تولّى "ساسة الصدفة" وأضعف ما أنجب النظام السابق مقاليد السلطة، مع ما يتسم به هؤلاء من ضعف اخلاقي وهشاشة فكرية وانتماء مزيّف للانتقال الديمقراطي، وكيف تغلّب جماعة "التكتيك" (التكمبين) على جماعة "الاستراتيجيا"، وكيف جرى تهميش اصحاب الرؤية الحضارية والمشروع الوطني وأسندت مواقع القيادة لكل من هبّ ودبّ حتى سامها كل مفلس. 
رابعا: كيف سمح للتيارات والشخصيات الشعبوية والفاشية والشمولية لاختراق مؤسسات النظام الديمقراطي حتى وصلوا الى أعلى المراتب والمؤسسات وسهّلت حركتهم في ترذيل النظام الديمقراطي والانقلاب على المسار الانتقالي. ألم تكن سير هؤلاء وافكارهم وغاياتهم معروفة للقاصي والداني. 
خامسا: لماذا لم تمنح العناية الكافية بمسألة التثقيف السياسي والتربية على الديمقراطية والدولة المدنية، وأسندت الوزارات والمؤسسات المعنية بهذه التوجهات غالبا لشخصيات لا صلة لها بالمشروع الديمقراطي أو مستقبل النظام السياسي الجديد. 
سادسا: لماذا جرى التلكؤ في تشكيل المحكمة الدستورية وتجديد الهيئات المستقلة، على أهمية وخطورة هذه المؤسسات في ضمان تدفّق النظام الجديد واستمراريته. 
سابعا: كيف لنظام ديمقراطي ناشئ ان ينتصر ويستكمل مساره في ظل هيمنة إعلام قديم ينتمي غالبا الى بؤر الفساد والإفساد واصحاب المصالح الضيقة، وقد لعب دوره بفعالية في تشويه صورة الديمقراطية والديمقراطيين في عيون المواطنين. 
ثامنا: لماذا امتنعت الكثير من مؤسسات الحكم ذات التأثير والفاعلية عن التغيير والتجديد ومواكبة المشروع الديمقراطي، مثل الأمن والادارة والديبلوماسية والتلفزة الوطنية وغيرها. 
تاسعا: لماذا لم ننجح في بناء أحزاب سياسية فاعلة ذات برامج تنموية وتنظيمات عصرية ديمقراطية، وبقيت الحياة السياسية تتدحرج من سيّء الى أسوأ خلافا لمتطلبات الديمقراطية. 
عاشرا: لماذا لم تجد الديمقراطية من يدافع عنها عند حاجتها الى الدفاع، ولم تجد في نهاية الامر من مدافع غير أولئك الذين همّشوا تماما من دائرة الفعل والقرار طيلة السنوات العشر الماضية. 
جميع هذه المسائل يجب أن تكون على طاولة درس القوى الديمقراطية، حتى لا نواصل تغطية عين الشمس بالغربال ويكون المطلوب تضحية في سبيل ديمقراطية لا يريدها الشعب أو ربّما لا يستحقها، ونصوّر الحدث كما لو أن رجلا بمفرده انتصر على أُمَّة.
*كاتب عربي ووزير سابق من تونس.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون