الوجه الآخر للمحاصصة!!.
2022 ,13 أيار
* د.خالد شوكات:صوت العرب – تونس.
تذّم "المحاصصة" لأنها صوّرت وكأنها نقيض "الكفاءة"، وهذه مغالطة من مئات المغالطات التي اعتمدت لترذيل الحياة السياسية ذات الطبيعة التعددية الديمقراطية..وواقع الأمر أنّك قد "تنفي المحاصصة" ولكنّك لا تعتمد "الكفاءة" بالضرورة، بل قد تعمّق أزمة الكفاءة هذه لأنّه لم يتّبعك من القوم غير "سقط المتاع" إذ جئت من خارج "النخب" ولم يبق لك من الأكفاء أحد تقريبا..
علماء الانتقال الديمقراطي والباحثون في تجارب التحول التي جرت في أمريكا اللاتينية واوربا الشرقية وافريقيا جنوب الصحراء، لا يَرَوْن في "المحاصصة"، أكانت حزبية أو طائفية أو مناطقية أو جهوية أو حتى قبلية، شرّا مستطيرا مطلقا كما صوّر البعض واتبعهم القطيع، اذ قد تكون جزءا من العدالة الانتقالية المطلوبة، ففي العراق مثلا حرمت المكونات الشيعية والكوردية لعقود بل قرون من الحكم، ومن هنا كان لا بد من تشريكهما وضمان حصتهما في مؤسسات الحكم، وفي ذلك نوع من التعويض والتعويد حتى تستقر الديمقراطية فتنتقل إلى طور أكثر نضجا باعتماد قاعدة المواطنة المتساوية، وفي جنوب افريقيا بدا التمكين للسود مع ضمان اشراك البيض محاصصة طيبة، وفي أوربا شرقية كان هناك اجتهاد متواصل لتمثيل الأقليات العرقية والدينية في المؤسسات السياسية دون أن يمس ذلك من جوهر العملية الديمقراطية.
في تونس كان هناك اختلال في التمثيل السياسي قبل الثورة.. رئيسا الجمهورية كانا من نفس الجهة، وجميع رؤساء الحكومة تقريبا، وما لا يقل عن ثلثي الوزراء والولاة وكبار مسؤولي الدولة، وهي حقيقة علمية وثقها الباحثون في كتب، أما بعد الثورة فقد توزعت المسؤولية على جميع الجهات، ولا توجد معتمدية في الجمهورية تقريبا لم تمثل بوزير أو والٍ..كما استبدل احتكار حزب واحد للسلطة بتوزيع حصص الحكم على الاحزاب المؤتلفة، هذا امر معمول به في جل الديمقراطيات العريقة والمستقرة.. ولئن كانت التجربة متعثرة ولم تستقر على حال، فإن ذلك لا يمس من سلامة مبدأ تشريك الجميع في تقرير مصير البلاد ومستقبلها، كما لا يعني بالضرورة انعدام الكفاءة، ولربما كان عدم الاستقرار جراء تقلبات المرحلة الانتقالية هو السبب في تواضع الأداء الحكومي أكثر مما يعود إلى عامل الكفاءة.. 
الان نعود إلى قضية الساعة، ألا وهي هيئة الانتخابات، وقد كان من أهم ضمانات استقلاليتها المحاصصة التي تضمن رقابة أعضائها لبعضهم البعض بالنظر إلى تنوع المرجعيات والخلفيات وأطراف الدعم، أما وقد وأصبحت الهيئة من حصّة رجل واحد، فإن مبدأ الاستقلالية قد ضرب في مقتل، حتى وان كان غالبية أعضائها من المستقلين فعلا..الانطباع العام مسألة مهمة في الحكم على المؤسسات، ومن هنا فإن مناخ الثقة قد اهتز مما سيجعل العملية الانتخابية بلا أثر ، كأنها ولدت ميّتة، لأنها ببساطة ستصبّ في حصّة واحدة..وين كنّا وأين أصبحنا!!؟
*كاتب عربي ووزير سابق من تونس.
 
 
 
 
 
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون