2025 ,29 تشرين الأول

المخرج والناقد الدكتور محمد حسين حبيب
وليد قصوري:صوت العرب - العراق.
في مشهدٍ مسرحي عربي يزدحم بالأسماء، يظلّ محمد حسين حبيب حالة استثنائية لا تُختصر في لقبٍ واحد. هو مخرج، ناقد، ومترجم، لكنه قبل ذلك صوتٌ بصريٌّ عميق يرى المسرح كحياة تُكتب على الخشبة لا كفنٍّ يُؤدّى فقط. من مدينة الحلة، حيث يمتزج الطين بالماء والتاريخ، خرج عام 1962 فتى يحمل في عينيه صورةً مبكرة للجمال، سرعان ما تحولت إلى مشروع أكاديمي وفكري ترك بصمته في كل مفصل من مفاصل المسرح العراقي الحديث.
من البدايات إلى الاحتراف: مسار محمد حسين حبيب
من أزقة الحلة القديمة إلى أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، كانت رحلته بحثًا عن الدهشة. تخرّج عام 1987، لكنه لم يتوقف عند حدود التكوين الفني، فحصل على الماجستير عام 1998 ثم الدكتوراه في فلسفة الإخراج المسرحي عام 2004. هناك، بدأ يُعيد التفكير في العلاقة بين النص والعرض، بين النظرية والممارسة، ليصبح واحدًا من الأصوات التي أسست لما يمكن تسميته بـ"النقد التطبيقي" في المسرح العربي.
المخرج الذي يفكّر بعقل الناقد
في مسيرته أكثر من خمسة وعشرين عرضًا، لكنها ليست أرقامًا بقدر ما هي محطات وعيٍ بصريّ. كل عرض عنده كان مختبرًا للأسئلة: كيف يتحول الجسد إلى نصّ؟ وكيف تُترجم الفكرة إلى صورةٍ على الخشبة؟ بهذا المعنى، تجاوز حبيب وظيفة الإخراج التقليدية، ليجعل من المسرح مساحةً للفكر، ومن المشهد أداةً لاكتشاف الذات والآخر معًا.
نقد بلا مجاملة
كناقد، لا يُمارس محمد حسين حبيب النقد كتعليق، بل كحوار مفتوح مع العمل الفني. كتاباته التي تجاوزت الستّمئة مقال، وبحوثه التي بلغت سبعة عشر بحثًا محكّمًا، تُظهر منهجًا علميًا رصينًا يربط بين التحليل الجمالي والسوسيولوجي والفلسفي. لا يجامل ولا يُساوم، لذلك وُصف بأنه “ضمير النقد العراقي”، لأنه يرى في النقد مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون تقييماً فنياً.
رائد المسرح الرقمي
منذ عام 2005، طرح مشروعه الفكري حول "المسرح الرقمي"، في وقتٍ لم تكن فيه التحولات التكنولوجية قد غيّرت بعد وجه المسرح. كان استشرافه مبكرًا، إذ تنبّه إلى أن الصورة الإلكترونية والوسائط التفاعلية ستصبح جزءًا من الخطاب المسرحي الجديد. بهذا الرهان المعرفي، وضع حبيب نفسه في موقع الريادة عربياً، مُرسخاً فكرة أن المسرح لا يموت بل يتجدّد بتغيّر وسائط التعبير.
الفكر لا يُحال إلى التقاعد
حتى بعد مغادرته الجامعة، بقي فاعلاً في المشهد الثقافي. يكتب، يحاضر، ويشارك في لجان التحكيم والنقد في مهرجانات عربية عدة. لم يغادر المسرح يومًا، لأن المسرح عنده ليس مهنة، بل طريقة في الوجود. يكتب كما يُخرج: بدقة الجراح وحرارة العاشق، دون ضجيج ولا ادعاء.
خلاصة
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتندر المواقف، يظلّ محمد حسين حبيب شاهدًا ومشاركًا في مسيرة المسرح العربي، يحمل مشروعه النقدي والفكري بوعيٍ نادر وهدوءٍ عميق. لم يكن يومًا تابعًا للموضات الفنية، بل سعى إلى تأسيس نظام جمالي قائم على التفكير الحر والمسؤولية المعرفية.
هو بحقّ، المخرج الذي علّم المسرح كيف يُفكّر، والناقد الذي كتب الجمال بصرامة الفيلسوف.