اختبار الدولة الوطنية.
2022 ,19 آذار
*د.خالد شوكات: صوت العرب – تونس.
جزء مما نعيشه من أزمات مستعصية في منطقتنا العربية، أطاحت بدول في أتون حروب أهلية، فحوّلتها بالكامل إلى "دول فاشلة" أو "شبه فاشلة" (اليمن، ليبيا، الصومال، العراق، سوريا..)، وحوَّلت حركة الربيع العربي من حالة أمل في "قومة" الأمّة إلى حالة "نكسة للأمة" ومن حالة "تحوّل ديمقراطي" إلى حالة "دورة استبدادية جديدة"، يعود إلى هذا "الاختبار التاريخي الكبير" الذي تعيشه "الدولة الوطنية العربية" بعد قرابة قرن على قيامها اثر معاهدة "سايكس-بيكو" سيئة الذكر، هذا الاختبار الذي يحمل تحدّيا وجوديا لم يسبق لهذه الدولة أن عاشته حتى في ظل الحقبة الاستعمارية...
لا بأس أن نذكّر في هذا السياق، بأن هذه الدولة الوطنية لم تكن مقنعة للأمّة وشعوبها منذ قيامها، وكان الانطباع العام تجاهها سلبيا، وقد قبلت على مضض باعتبارها مجرّد مرحلة انتقالية يجب أن تقود إلى الوحدة التي هي الأصل وسواها استثناء، وواقع الامر أن الكثير من حالات هذه الدولة كانت مصطنعة الى درجة لا تتوفر معه على الحد الأدنى من مقومات البقاء، ولو لا الضمانات التي وفرها "القانون الدولي المعاصر" بعد الحرب العالمية الثانية ونشأة منظمة الامم المتحدة ما تمكنت من الصمود والاستمرار..
ولهذا فإنه ليس بمقدورنا تحليل أزمة الأنظمة السياسية وفهمها في عدد من الدول العربية بمعزل عن هذه الاشكالية الوجودية التي تعيشها الدولة الوطنية العربية.. 
لكنَّ المفارق هذه المرّة، أن مزاج العرب وطموحهم قد انقلب من النقيض إلى النقيض، فمن وضعية الادانة التي اتسم بها ميلاد الدولة الوطنية، إلى وضعية التشبّث حيث أصبح الحفاظ على هذه الدولة في حدودها الحالية أمرا محفوفا بالمخاطر ومشكوكا فيه، فقد أضحى مخطط "تجزئة المجزأ وتقسيم المقسّم" واضحا للعيان بالغا الإيذاء حقيقة من حقائق الأمّة التي يرثى لحالها، فاليمن اليوم مجزأ عمليا، والعراق كذلك، وسوريا وليبيا مقاطعات متنازعة، والصومال ثلاث دول على الأقل، والسودان في مرمى قوى الشرّ بعد انقسامه الى دولة في الشمال واُخرى في الجنوب، ولو نضب النفط - وقريبا ينضب- لربما رجعت الامارات إمارات متفرقة وذهبت السعودية في خبر كان، وحال الجزائر والمغرب لا يختلف فبؤر التوتر ونعرات التجزئة قائمة، وحتى تونس شديدة الانسجام لربّما انتهت الى ما لم يكن متخيلا من قبل في الحسبان، ولبنان طوائفه جاهزة لمشاريع مماثلة، ومصر الإقليم القاعدة لا يخلو أمره من تحدّيات أيضا .. 
أخيرا علينا التذكير بأمرين لهما صلة بهذا الاختبار، الأول أن العرب يسيرون خلاف سير العالم الذي يتجه الى تكتلات كبرى، والثاني أن الخلية السرطانية المزروعة في قلب الأمة ليس لها من دور او وظيفة الا التشجيع على هذا الامر، وليس لأحد من مصلحة فيما يجري سواها..
حفظ الله الامة وهدى العرب إلى سواء السبيل. 
*كاتب عربي وزير سابق من تونس.
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون