فيلم "ريش" ....عالم المهمشين برؤية واعية
2021 ,30 تشرين الثاني

صوت العرب: رسمي محاسنة.

في اول افلامة الروائية يقدم المخرج الشاب" عمر الزهيري" فيلما مختلفا، ويعتبر اضافة نوعية لموجة السينما المصرية المستقلة،وذلك من خلال فيلم "ريش" المشارك في مهرجان الجونة السينمائي، والعائد بجائزة النقاد من مهرجان "كان".

فيلم "ريش" حكاية بسيطة، وحوارات قليلة،لكن هذا الشكل يجعل منه فيلما اصيلا، لانه يعتمد لغة السينما وباكثر من اسلوب، حيث اسرة بسيطة" الاب والام والاطفال" يعيشون في منطقة صناعية،بحكم عمل الاب "المتجهم دائما والمتسلط" في احد المصانع، وفي لحظة من لحظات البهجة القليلة وبمناسبة عيد ميلاد احد اطفال الاسرة، يتحول الاب الى "دجاجة"، لتستمر معاناة الام التي كانت تتحمل اوامر الزوج، وقهره الدائم لها،هنا تجد نفسها امام مسؤولية عائلة، لامعيل لها،وحولها طامعين بها كامرأة،لكنها تستمر بتحمل المسؤولية بصمت واصرار، وعند عودة الزوج الى البيت،وهو محمل بالجروح التي تشل حركته، ليصبح عبئا جديدا على الزوجة،وفي لحظة ينفجر بها تراكم قهر وتعب وظلم السنين، تقوم بخنقة.

وبذكاء يقدم "الزهيري" فيلما دون تحديد الزمان والمكان، ودون اي اشارات الى "الزمكانية"،حيث الادوات القديمة والحديثة"استخدام بعض الشخصيات للموبايل"،والموسيقى التي بعضها ينتمي الى عقود ماضية، وبعضها معاصر،كل ذلك في اطار اشتغال على الصورة التي تعتبير من عناصر العرض القوية،الصورة بحجم اللقطات،وكسر توقعات المشاهد،والالوان التي تعكس طبيعة المكان، ودواخل الشخصيات وانفعالاتها.

تتحرك كاميرا"الزهيري" في زوايا ضيقة داخل البيت الكئيب،وفي لقطات متفاوته للمكان في الخارج، لكن هذا الخارج لايختلف عن الداخل، وبالتالي فان كل الشخصيات تعيش فيئة غير سوية، لاتوفر الشرط الانساني الكافي للعيش، ولذلك نجد لامبالات "الزوجة – الام"، لها معادل اخر في الخارج، حيث بيروقراطية وبلادة وبرود الموظفين، بهذا الشكل الفوضوي في المكاتب ومتابعة المعاملات،والتعامل مع المراجعين وكانهم يعيشون خارج الزمن.

الفيلم يقدم هذه المشاعر،والاحساس الجواني للشخصيات، ويرصد هذه المعاناة والتوتر وطبيعة العلاقات،بهذا السرد الذي يورط المتلقي مع الفيلم،لانه يريد ان يخرج من هذا الضيق الذي تعيشه الشخصيات،والتحولات في علاقاتها ببعضها البعض،وبتطور الحدث،والمفاجاّت التي ترافقه، كل ذلك وفق ايقاع متماسك، واداء محسوب بدقة دون مبالغة او استعراض، وخاصة اداء الممثلة الرئيسية"الام" التي تمسك بالدور طوال الفيلم وفق الخط الذي رسمه واراده المخرج.الذي يريد من المتلقي ان يبقى مركزا في الرسائل المحملة على حدوتة الفيلم.

"ريش" بدون شعارات او صوت عال مع "الزعيق الذي نشاهده في بعض الافلام" يطرح قضية المرأة، حيث الاقصاء والتهميش واستبداد الرجل،ورغم ذلك فهي القادرة على الوقوف على رجليها، وتوجيه مركب الاسرة بكل ماهو مثقل بالمسؤوليات المختلفة،وان تسير وسط كل هذه البيئة القاسية، وان تحصل حصة لها وسط ظروف لاترحم.

ورغم كل هذه الاجواء، الا ان الفيلم الكثير من المواقف الكوميدية، التي تكسر حدة هذه القتامة، ذلك ان المخرج لايبحث عن ادانة شخصيات، او تقديمها بشكل مثالي، انما يذهب الى جوهر الانسان بكل ماله وماعليه،ويترك لنا نافذه مفتوحة على فضاء الامل بغد اّخر، رغم ان غبار المكان وضجيجة ينفذ الى اجواء بيت الاسرة.

2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون