التنمية ليست علماً صحيحاً!؟ .
2022 ,21 كانون الثاني
الرئيس الاندونيسي زعيم الاستقلال سوكارنو
*د.خالد شوكات :صوت العرب - تونس.
قيل ان الرئيس الاندونيسي زعيم الاستقلال عن الهولنديين سوكارنو كان معجباً بتجربة المستشار الألماني كونراد ايدناور الذي تسلم حكم ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية حطاما وتمكن من قيادتها لتكون ثاني قوة اقتصادية عالمية في غضون عشر سنوات، حيث تمكن الالمان من سنة 1947 الى سنة 1957، ليس فقط من تجاوز اثار الحرب المدمرة بل من بلوغ الريادة العالمية. 
وتذكر الرواية ان سوكارنو طلب من ايدناور ان يعيره احد اهم خبرائه في مجال التنمية، ممن اشرف على تحقيق هذه المعجزة المدهشة، ليكلفه بإعادة التجربة في جاكرتا، ولم يكن لدى المستشار الألماني العجوز الذي عركته السياسة وكان متحمسا لفكرة مساعدة العالم النامي في سياق صراع دولي محموم آنذاك بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، على ان لا يقع في براثن السوفيات الذين قسموا المانيا وهيمنوا على جزئها الشرقي.
وقد قام ايدناور فعلا بإرسال خيرة مساعديه ليقف الى جانب الاصدقاء الإندونيسيين المهددين حقّاً بطموحات شيوعييهم في منطقة جنوب شرق اسيا التي شهدت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تحول عديد دولها الى النموذج الاشتراكي السوفيتي بعد نجاح حركات التحرر الوطني فيها من طرد المستعمر الغربي. 
كان الاتفاق بين سوكارنو والخبير الألماني ان يقوم الضيف بالاشراف على مشروع نهضة اندونيسيا، مع توفير الرئاسة كافة ما يلزم من موارد مادّية لاستنساخ التجربة الألمانية والتحوّل الى قوة اقتصادية في غضون عشر سنوات. 
كانت المعطيات الأولية متشابهة بين البلدين من حيث عدد السكان ومساحة البلد، بل ان المعطيات الطبيعية والديمغرافية لإندونيسيا كانت افضل قياسا بالمانيا سنة 1947، لكن عشر سنوات من العمل لم تحوّل الجمهورية الاندونيسية كما حلم رئيسها الطموح سوكارنو الى ألمانيا ثانية في جنوب شرق اسيا وبقيت على الرغم من الجهود التي بذلها الخبير الألماني ورفاقه بلدا عالمثالثيا متخلفا غارقا في الفقر والتخلف، حتى ان رئيسه الفذ سوكارنو قد اطاح به انقلاب زميله الجنرال سوهارتو مباشرة بعد تلك المحاولة التنموية الفاشلة.
لما سأل الرئيس سوهارتو الخبير الألماني عن سبب فشل التجربة، قال بكل بساطة انه قرأ حسابه عند وضعه المخطط لكل شيء الا شيء واحد هو "الانسان"، فالفارق بين الانسان الألماني والإنسان الاندونيسي من حيث "قيمة العمل" كان هو العامل الفارق والحاسم بين نتائج التجربتين.
اليوم تصنف اندونيسيا بعد اكثر من نصف قرن من ذلك الزمان وتلك التجربة ، ضمن قائمة العشرين بلدا ذوي الاقتصاد الأكثر نموا، وقد تكون في أفق 2050 من القوى الاقتصادية العشر الاوائل عالميا. ويرجع خبراء التنمية الامر الى ثلاثة عوامل اساسية: استقرار الانتقال الديمقراطي بعد نهاية حقبة سوهارتو مطلع هذا القرن، ووجود نماذج تنموية فاعلة في المنطقة (اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، ماليزيا، الهند ..) يمكن الاستفادة منها لتشابه الانسان فيها مع الانسان الاندونيسي، واخيرا جني ثمار حركة ثقافية اصلاحية عميقة اعادت من خلال نشاطاتها الفاعلة طيلة الثلاثة عقود الاخيرة بناء الانسان على قواعد قيمية واخلاقية من أهمها قيمة تقديس العمل. 
وحديثنا قياس.
رئيس المعهد العربي والديمقراطية ووزير سابق.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون