الفرنكوفونية.. عقلية وليست لغة.
2022 ,17 تشرين الثاني
*د.خالد شوكات : صوت العرب – تونس.
بمناسبة انعقاد قمّة الفرنكوفونية في بلادنا هذه الايام ، اقول أنها فرصة لممارسة “النقد” وتقييم مسيرة هذه المنظمة ، مثلما يشجّع على ذلك “العقل الفرنكوفوني” إن وجد، فهو “عقل نقدي” كما يقول أهله، ولو أنّ نقده يتوقّف فيما يبدو على نقد زميله “العقل العربي الإسلامي”..
حقيقة الأمر إلى حد الآن أن “الفرنكوفونية” قد عجزت إلى حد الآن على التحوّل إلى “منظمة للتعاون الدولي” تخدم أعضاءها من الدول على قدم المساواة، حيث تظهر بالأرقام آلية لخدمة “فرنسا” ومصالحها في مستعمراتها القديمة، خصوصا في القارة السمراء أفريقيا، التي أضحى وعي شعوبها يتجه إلى موجة تحررية ثانية، تتطلع إلى استقلال ثانٍ يطرد المستعمر الذي تمكّن من التسلل عبر الشبابيك بعد أن طردته حركات التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات من الأبواب..وهو ما لمسه المتابعون ليس في خطاب بعض القادة الافارقة الجدد في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري فقط، بل في خطاب بعض القادة الاوربيين ممن طالبوا بخروج الفرنسيين من أفريقيا لا قدوم الافارقة إلى أوروبا في قوارب الهجرة غير النظامية.. هكذا تحدثت على الأقل الزعيمة الايطالية الصاعدة ميلوني.
ثانيا، ثمة دليل ملموس على أن العقل الفرنكوفوني عاجز على مساعدة “المستلبين فيه”، على تقديم دليل واحد على قدرته على مساعدة البلدان والشعوب المعنية به على التقدم والالتحاق بركب الحداثة، ففيما عدا فرنسا وكندا وبلجيكا الدول الغربية، تقبع جميع الدول الفرنكوفونية الأخرى في قاع الازمة والتخلّف، عاجزة عن التحوّل الى نمور واعدة، على غرار بعض الدول التي تدور في فلك اليابان او الكومنولث، بل لقد اصبح شرط التحرر من الفرنكوفونية مقدّمة لربح هذا الرهان، وهو ما جرى في موريشيوس ورواندا اللتين قفزتا نسبيا في مدارج النمو بعد تخلّصهما من الفرنسية كلغة تعليمية والاستعاضة عنها بالانجليزية باعتبارها لغة العلم الاولى لا لغة المستعمر.
ثالثا: إن العقل الفرنكوفوني اصبح في عقر داره فرنسا رمزا للسلبية، ومن اهم مظاهرها الدولة البيروقراطية المعوّقة لحركة الاستثمار والاقتصاد العصري والبحث العلمي، كما هو حال دولتنا التونسية مثلاً، ولهذا يلاحظ المتابع التحول نحو العقل الانجلوسكسوني في كل من فرنسا ووالونيا البلجيكية وكيبيك الكندية، لانه لا سبيل الى ولوج العصر دون هذه الخطوة الضرورية، فيما ترى “عُصَبَ الفرنكوفونيين” في بلادنا أكثر “فرنكوفونية” من أهلها الأصليين، وجها للعنة للطابور الخامس الذي نجح في تحقيق مصالح لفرنسا بعد رحيلها عن بلداننا كمستعمر مباشر، أكثر مما تحقق لها خلال الحقبة الاستعمارية نفسها.
أخيرا أقول أن قناعتي هذه لا تعني أبدًا إنّني معاد ٍ للغة الفرنسية كلغة، باعتبارها لغة حيّة اتقانها الى جانب لغات اخرى والترجمة منها واليها مسألة جدُّ ايجابية، أو كذلك لفرنسا كبلد وشعب له فضائل كثيرة واسهام مقدّرٌ في تاريخ الحضارة الانسانية..
*كاتب ووزير سابق من تونس.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون