حوار قصير حول الديمقراطية والمقاومة مع الاستاذ "منير شفيق".
2022 ,08 تشرين الثاني
الكاتب والمفكر منير شفيق
*د.خالد شوكات :صوت العرب- تونس.
مكانة العزيز أبو فادي، أستاذنا الكبير منير شفيق، كبيرة في قلبي، فهو نموذج للمفكر العربي المتجدد من جهة والثابت في دفاعه عن أمته وقضاياها العادلة طيلة عقود من جهة أخرى..واعتبر نفسي محظوظا بلقائه بين الفينة والأخرى في مناسبات متعددة، على هامش المؤتمر القومي العربي، وفي مهرجانات وندوات وتكريمات، وبيننا ود لا ينقطع رغم تباين مواقفنا ازاء بعض المسائل، فاختلاف الرأي كما يقال لا يفسد للود قضية. 
على هامش الاجتماع الأخير للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، المنعقد في بيروت، كان بيني وبين الأستاذ منير شفيق حوار قصير حول العلاقة بين الديمقراطية والمقاومة (من أجل فلسطين)، ارتأيت أن أنقل لكم أهم ما جاء فيه، رغبة مني في تعميم النقاش على المهتمين به، وهو بشكل أو آخر، موضوع محتدم بين النخب العربية في جميع الأقطار، وأحيانا يأخذ صيغا أخرى ليست بعيدة عنه، من قبيل الصلة بين الديمقراطية والتنمية مثلا، وفي كل الأحوال سنجد رأي الأستاذ أبو فادي مبثوثا على الألسن هنا وهناك، فهو يرى مثلا أن "المقاومة" هي المحدد الفيصل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي الأصل في تحديد الموقف من أنظمة الحكم، كما أن التزام الحاكم بها (أي بالمقاومة) يجعل من بقية المسائل ثانوية لا يجب التوقف عندها كثيرا، حتى وإن كان نظام هذا الحاكم قمعيا تسلّطيا، ويرى الاستاذ منير شفيق بهذا الصدد أن ربح المعارك والحروب الكبرى لا يتوقف على طبيعة أنظمة الحكم إنما على موازين القوى..
بالمقابل وجدتني مضطرا للتذكير بمعالم رؤيتي لهذه المسألة والتي بمقدوري ايجازها في النقاط التالية:
- إن جزءا من مواقف الحركة الديمقراطية العربية المعارضة للأنظمة الطغيانية والاستبدادية والديكتاتورية والفردية التسلطية، لا يعود فقط لسيرتها السوداء الحالكة في قضايا الحريات وحقوق الانسان، بل كذلك لخساراتها الفادحة معارك الأمة الكبرى، سواء تعلق الأمر بقضية فلسطين أو قضايا التنمية والعدالة، حيث لا يمكن تفسير الخيبات والنكبات والنكسات فقط باختلال ميزان القوى لصالح العدو، إنما كذلك بطبيعة هذه الانظمة التي لا يمكن إلا أن تنتج انساناً مهزوما غير قادر على مواجهة الأعداء.
- إن الحاكم الفردي التسلطي، الطاغية والديكتاتور، هو أضعف الحكّام في مواجهة الخارج، لأنه سيكون مستعدا لبيع جميع القضايا مهما كانت قدسيتها، اذا ما كان الخيار بقاءه على سدة الحكم، فهو بلا رقيب أو حسيب أو خوف من شعب قد يعاقبه في انتخابات قادمة، ومن هنا تحوّل أغلب الطغاة العرب إلى وكلاء للقوى الخارجية حتى وإن رفعوا أحيانا شعارات ثورية من قبيل "الشعبوية". 
- إن الديمقراطية مقاربة معاصرة في التاريخ، ومحصّلة لتطوّر الوعي الإنساني عبر العصور، ولا يمكن الاحتجاج بها في المراحل التاريخية جميعها، ابتداء من التاريخ الحديث وما قبله، ولهذا لا تصلح هذه المقاربة في تفسير النصر والهزيمة حينها، فيما بدا النصر حليف الأمم الديمقراطية غالبا ابتداء من القرن العشرين، والديمقراطية احدى العوامل وليست عاملا وحيدا في هذا السياق المعقّد والمركّب غالبا.
- وأخيرا، لا أقول إلّا قول الكواكبي رحمه الله، من أن الاستبداد يزرع كل الرذائل، وإن الانسان الذي ينتجه الاستبداد هو غالبا "انسان مريض" يفسّر تعثّر تجارب التحرّر، سواء في مواجهة الاستعمار أو في مواجهة الطغيان، وعلى هذا النحو نفهم كذلك تعثّر تجارب الانتقال الديمقراطي، باعتبارها تجارب تشقّ طريقها وهي تتعامل مع "مادّة بشرية" تشكّلت في ظلّ النقيض منها، بعبارة أخرى "فإن مشقّة الانتقال الديمقراطي في تونس مثلا، مردّها انسان صنع من قبل نظام استبدادي سابق على الثورة"، وهو يجعلها محتاجة لزمن أطول حتى يستقيم مسارها، وكذلك الانسان "الذليل المقموع" الذي طلب منه مواجهة العدو..وحده لبنان استطاع هزيمة هذا العدو على نحو واضح، وكذلك غزّة، لأن الانسان فيهما حرّ. 
وعدني العزيز أبو فادي باستئناف النقاش متى ما التقينا في مرّة قادمة، نسأل الله أن يحفظه ويطيل في عمره، فهو مفكّر من نوع أصيل يكره الاحتلال والاستبداد معاً.
 *كاتب عربي ووزير سابق من تونس.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون