مهرجان الكويت الدولي للمونودراما في دورته السابعة :اللهو يدخل المسرح من أصعب البوابات وأكثرها تحديا.
2024 ,23 كانون الثاني
يوسف الحمدان :صوت العرب – البحرين.
إن أكبر التحديات وأصعبها وأكثرها شائكية في المسرح ، هي تلك التي يكون فيها الفرد الممثل أمام مواجهة غير عادية واستثنائية مع ذاته المتعددة الذوات ، وطاقته المهيأة لاستيعاب هذه الذوات وتقديمها بطرق وأدوات وأساليب تختزلها ذاته الفردية وكما لو أنه ( الفرد الممثل ) مجتمع العرض المسرحي برمته في الفضاء المسرحي الذي يحتويه ، بجانب اختباره الواعي والحذر لفضاء التلقي الذي من شأنه أن يقصيه وأن يقربه ويحتويه متى كان هذا الممثل الفرد قادرا على إقناعه بممكناته الفنية الحيوية التي يتمتع بها جراء اختباره المستمر لها واكتشاف مساحات تطورها واستقصاء المغاير فيها والمستفز والمحفز لتجليات فنية أدائية لم تكتشف بعد فيها . 
من هذا المنطلق ، يهمنا أن نثني على جهود الأستاذ الفنان الكويتي الصديق جمال اللهو ، الذي قبَل أن يكون في قلب هذه التحديات فكان أهلا لها ، وكان هو ( المونو ) الإداري الفريد الذي تجرد من كل المخاوف التي قد تنجم عن إقدامه على استحضار فن بإمكانات فردية ومادية متواضعة ، فتمكن من أن يدشن مشروعه المسرحي في الكويت ( مهرجان الكويت الدولي للمونودراما ) الذي عبر من خلاله ستة بحور ليستأنف الإبحار بأذرع أقوى بعد أن خاض البحر السابع في أبريل 2019 ، وكان زاده الأساسي طموح فردي مشروع للحالمين من أمثال اللهو ، وهو أن يحيا مثل هذا المهرجان ويستمر وإن كان بجهود مستقلة خاصة وليست رسمية ، وفي هذه السانحة يهمنا أن نشيد بجهود وزارة الإعلام الملموسة في دعمها لهذا المهرجان ، بوصفه إضاءة ثقافية وفنية مهمة تضيف إلى مهرجاناتها الحكومية وهجا يستحق الدعم والتشجيع والمؤازرة ، ممثلة في وزيرها السيد عبدالرحمن المطيري وزير الاعلام ووزير شؤون الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهذا شأن كل الجهات الحكومية المعنية في كل دول العالم ، التي ترى في دعمها ومؤازرتها لهذه الجهود الفردية المستقلة واجب وضرورة لإنعاش الحراك الثقافي والفني في أوطانها ، والتي لم تسعى قط لاحتكار هذه المشروعات والتفرد بها وكما لو أن المجتمع الثقافي والفني في بلدانها لم يوجد أصلا . 
ويبقى من الضرورة أن يحظى مثل هذا المهرجان الدولي النوعي ، باهتمام ودعم الجهة الدولية المعنية بفن المونودراما ، وأعني الهيئة الدولية للمسرح ، وما ضرورة دعمها 
لهذا المهرجان إلا لكونه يقع تحت مظلته الإدارية ، وبالتالي يسهم في تغذية روافد التنوع والتواصل مع هذا الفن وجمهوره في مختلف البلدان ، والكويت واحدة من أهم جهات الضخ المسرحي الخلاق في خليجنا العربي ، لذا كان مؤسس مهرجان الكويت الدولي للمونودراما ، يعي أهمية أن يكون هذا الفن رافدا موازيا ومهما للمهرجانات الأخرى في الكويت والوطن العربي ، . 
وفي هذا المهرجان يلتفت رئيسه الفنان اللهو إلى منطقة مهمة كثيرا ما تجاهلتها الجهات المعنية بالثقافة والفنون في بلداننا العربية ، وهي منطقة أو موقع الفنان المسرحي ودوره وإنجازاته وتضحياته في وطنه وخارج وطنه ، وذلك بسعيه منذ الدورة الأولى إلى تكريم كبار نجوم المسرح الكويتي والخليجي الذين أفنوا عمرهم من أجل المسرح وساهموا في تأسيس لبناته والتأثير في أجيال تبوأت مكانة المبدعين والنجوم من بعدهم ، وكانت الفنانة الكبيرة مريم الصالح أول الرائدات الكويتيات اللواتي خضن غمار المسرح في أصعب الظروف والأوقات ، ليعقبها في هذا المهرجان الفنان الكوميدي محمد جابر ( العيدروسي )  أحد المؤسسين للحراك المسرحي بدولة الكويت الذي سيكون شخصية هذا المهرجان في دورته السابعة  ،  وتكريم  بإصدار كتاب دسم يرصد مسيرته الفنية ،  بجانب تكريمه لباقة من نجوم المسرح الكويتي وإعلامييه في ختام المهرجان ولي كبير الفخر والاعتزاز بأن أكون أول ناقد مسرحي خليجي يحظى بلقب ( أيقونة النقد المسرحي في خليجنا العربي ) من خلال تلك الدورة . 
 إن أجمل ما في هذا المهرجان هو أنه أتاح الفرصة سانحة َلتجارب شبابية مونودرامية هاوية ومسكونة بقلق المسرح وهمه ، والتي شاهدنا من خلالها محاولات عقدت العزم بعد النقاش مع مخرجيها وممثليها في أروقة المسرح وفي نزل الوفود أن  تقدم في دورات قادمة ما هو أجمل وأكثر قبولا لذائقة المتلقي ، وقد سجل بعض الفنانين في هذا المهرجان حضورا جميلا لافتا على صعيد الأداء وإن عازه اشتغال إخراجي راء وباحث ، ويكفينا في تلك الدورة الإتكاء والوقوف على عرضين مونودراميين يستحقان الدراسة والبحث ، وأعني بهما العرض التونسي ( سمها ما شئت ) للمخرج الشاب المبدع وليد الدغسني ، أداء الممثلة الرائعة أماني بلعج ، والعرض الليتواني ( حكايات الرمل ) لممثلته العالمية والحائزة على جائزة كازانوف العالمية بيروتي مارت ، فهذين العرضين متسع ومفتتح لبحث طويل وإبداعي متجدد في فن المونودراما ، وهما نموذجين باتا محل دراسة واهتمام كبيرين من قبل النقاد والمعنيين بالمونودراما على وجه الخصوص . 
ويهمني أن أشير هنا إلى ورشة الفنان حسين المفيدي ، التي قُدم نتاجها في افتتاح المهرجان ، حيث اقترحت هذه الورشة التي أدى أدوارها شباب محب للمسرح ، اقترحت نوعا آخر للمونودراما ، وهو المونودراما التعاقبية ، حيث يأخذ كل صوت حيزه الخاص به في العرض بالرغم من تواجد مجموعة كبيرة من المؤدين على الخشبة ، وقد تمكن هؤلاء الشباب من تقديم هذا النوع من المونودراما دون خلط بينه وبين المسرح الجماعي ، ولم تكن الفرقة الموسيقية والكورال سوى محفز خارجي للفعل المسرحي وليست في صميم التجربة ذاتها ، وعلينا ان نعقد الأمل في هؤلاء الشباب أيضا في تقديم ألوان أخرى في فن المونودراما مستقبلا . 
ويحسب للفنان جمال اللهو في تلك الدورة وربما الدورات التي سبقتها ، أنه استعاض بالحوار حول فن المونودراما وكيفية تطويره في ملتقاه الفكري ، بدلا من الندوات التطبيقية ، إدراكا منه بأن هذه الحوارات هي في حد ذاتها إثراء واع وضروري لكل من شارك في هذا المهرجان ، من خلال العروض أو الورشة أو اللقاءات اليومية الحميمة ، وهذا ما لمسناه حقا من خلال طلب بعض من شارك في هذه الدورة من الفنانين الجلوس معنا والحوار حول التجربة لتتسع الدائرة وتصبح هذه الجلسة قراءة هادئة ومتأملة لهذه العروض . 
ويتسع حلم اللهو ، ليعلن عن تكريم شخصية مسرحية عالمية في دورته القادمة ، وليفسح مجالا أكبر للمشاركات الدولية المتميزة والمؤثرة في فن المونودراما فيها ، وليصبح توقيت انطلاقتها غير مزاحم بفعاليات ثقافية أخرى تشتت جهود الفنانين الكويتيين خاصة وتسرق من وقت اهتمامهم بها ، ولي في هذه الدورة نصيب وذلك بإعادة طباعة نصوصي المونودرامية التي نفدت نسخها منذ سنوات .
وفي هذه السانحة يهمني أن أشيد بكل الجهود الفنية الأصيلة والمؤازرة لرئيس المهرجان الفنان جمال اللهو قبل انعقاد هذه الدورة وأثنائها ،   وكل المحبة لكل من تعاون وآزر هذا الفنان الطموح الحالم جمال اللهو . 
وأكرر ما قلته في كلمتي في حفل افتتاح الدورة السابقة  نيابة عن ضيوف المهرجان : نحن على ثقة تامة بأن مهرجان الكويت الدولي للمونودراما ، سيقدم أهم التجارب المسرحية في حقل المونودراما ، وسيتقدم خطوات على طريق الحلم الأجمل القادم الذي يطمح مؤسس هذا المهرجان ونحن أيضا إلى تحقيقه مستقبلا ..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون