في ليلة الاحتفاء بثلاثين عاما من الرقص:وليد عوني... إيكاروس الذي لم يسقط أبدا.
2023 ,25 كانون الأول
محمد الروبي :صوت العرب – القاهرة.
ثلاثون عاما من التحليق، ثلاثون عاما من التحدي والتشبث والمقاومة. ثلاثون عاما كانوا سببا كافيا للاحتفاء والتكريم. 
جمع غفير من جمهور محب امتلأت به صالة المسرح الكبير بالأوبرا يشاركون وليد عوني عرس احتفائه بفرقته التي أسسها عام 1993 واستمرت لا فقط عبر تقديم المدهش من الأعمال، بل وبتخريج أساتذة من المصممين والراقصين استحقوا عن جدارة تكريما من وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني وبحضور الوزير المؤسس فاروق حسني. 
في العرض الاحتفائي أصر وليد أن يقدم كولاجا من أهم الأعمال. لتتابع معه شريطا طويلا من ذكريات وتستعيد شخوصا مصرية وعربية وعالمية أصر على أن يحتفي بهم كرموز ثقافية وفنية وعلمية أثرت الأرض التي يصر بعض أبنائها على تدميرها بشهوة حيوانية تتناقض مع صفته كإنسان. وربما لذلك اختار لعرضه عنوان "كي لا تتبخر الأرض". 
في العرض ستستعيد محمود مختار وشهرزاد كورساكوف وفيروز وشادي عبد السلام ونجيب محفوظ وتحية حليم و..و... ووسط كل هؤلاء لن يدعك تفلت من سماع ناقوس ضميرك الذي سيلح عليك بأن على هذه الأرض ما يستحق الـ.. ( خجل ). يذكرك بأن هذه الأرض القريبة منك حد الوجع تدور فيها طاحونة غلالها من بشر وأرض، أرض كانت تسمى فلسطين فصارت تسمى فلسطين. سيذكرك وليد عوني بأن سيدة الأرض تحرق الآن وتقف وحدها تدافع عن شرف أمة بكاملها. وهنا ستتذكر بوجع إضافي أن عرض وليد عوني هو الوحيد – حتى الآن – الذي ذكر دون خجل بل وبفخر هذه الأرض وتلك الملحمة!
منذ اللحظة الأولى للعرض ستجد نفسك داخل نفق المأساة، ففي العمق شجيرات خضر ستظل دوما باقية رغم تغير الإضاءة و تعدد اللوحات. وعلى جانبي المسرح يرسخ حاجزان يحاصرانه لن تفلت أبدا من دلالتهما كجدار عازل تعرض عليه صور دمار البيوت. لكن وليد لن يترك لك فرصة للشفقة أو مصمصة الشفاه، فأنت لست مراقبا، أنت مفعول بك، تماما كالذين هناك، ربما يكمن الفارق فقط في أنهم هناك قادرون على الفعل بينما تقبع أنت هنا تشاهد وتندد. 
في العرض ستتأرجح روحك من شهرزاد كورساكوف اللعوب إلى مومياء شادي الناهضة، ومن خماسين مختار البيضاء إلى دمعة فيروز الجارحة. وفي وسط كل ذلك ستأتيك فلسطين كل حين لا فاصلة بين النصوص، بل كمتن أساسي في كتاب خط بمداد من بهجة ممزوجة بوجع ناثراً أملا في نصر لا ريب فيه. وهو الأمل الذي ستؤكده عروس فلسطينية تتزين برداء مرصع بصور حبيبها المقاوم منذ أن كان طفلا سميا لطفل فيروز "شادي" حتى صار فتى يحمل معوله يهدم به جدارا أراده المحتلون عازلا فكان لهم سجنا وبوابة للجحيم. 
خلال العرض ومع اقتراب انتهائه سيفاجئك وليد عوني هذا الشاب السبعيني بأنه ما زال قادرا على التحليق. سيفاجئك بمشاركة تلامذته بالرقص ليكون هو "مختار" في مواجهة الخماسين وليكون أيضا "إيكاروس" الذي لم يسقط أبدأ، بل وستزداد دهشتك حين ترى وليد يحلق بجناحين من حديد هما من كان يستخدماهما في الرقصة عينها قبل ثلاثين عاما. وحينها لن تملك إلا أن تصرخ إعجابا بهذا الطائر الفينيقي الذي لا يعترف بالزمن كقاهر ويقبله فقط كحكيم يزيده خبرة وعلما. 
بعد انتهاء العرض ستجد نفسك تلملم شذراته في عنوان جامع ربما يكون "إيكاروس يساند مختار في مواجهة خماسين تهب على أرض فلسطين كي لا تتبخر الأرض". 
فكل التحية لوليد عوني وكل التقدير لتاريخه الذي بدأه منذ أكثر من ثلاثين عاما في مغامرة استقبلها البعض حينها باستهجان وسخرية، ثم ما لبث أن اعترف بأن الرقص المسرحي قبله ليس هو نفسه بعده.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون