نقاد السوشيال ميديا ..الصرخة 13 في وجه النقد المميت.
2023 ,16 كانون الأول
يوسف الحمدان :صوت العرب – البحرين.
مع سطوع نجم السوشيال ميديا بمختلف كواكبه ومجراته النووية الهائلة على كوكبنا الأرضي ، أصبح الفضول البشري رهن سباق ماراثوني مع المعلومة والصورة والحدث والخبر والمستجد والمكتشف والشبكة بتطبيقاتها المتعددة والإغوائية ، بغرض أن يكون هذا الفضول لائقا بوجوده وكينونته في هذا العالم بمختلف تحولاته العصفية وإثاراته الغرائبية الرامية إلى خلق عقل جديد يستوعب ألغاز كل الفضاءات الكونية ويصبح كائنا قادرا على فك مغاليقها الصعبة والمستعصية ، وعلى تشكيل عوالمه الخاصة به من خلالها . 
ومن بين هذه المغويات والإغراءات ، المسرح بمختلف أنواعه واتجاهاته ، إذ سهُل على كثير من المسرحيين والباحثين في الشأن المسرحي والمهتمين بالمسرح ، متابعة الكثير من التجارب المسرحية بشتى أنواعها ومخابرها التي تُنجز وتُقدم في العالم كله ، وفي ذلك فائدة وإثراء للفكر والتجربة والذائقة متى تم استثمارها واستضافتها بشكل واع ومسئول ومحفز على خلقٍ مواكبٍ لهذه التجارب أو خلق رؤية جديدة تنبثق من خلالها لتصبح كائنا مؤثرا وموازيا أو متجاوزا بوصفه حالة إبداعية جديدة في إنتاجها وليست بوصفها إعادة إنتاج لما سبق التأثر به . 
هنا يكون المنتِج والمنتَج لائقين بلا شك بهذه الثورة التكنولوجية والتقنية والكونية التي عصفت بهذا العالم بمختلف كواكبه ومجراته النووية الهائلة ، والعكس تماما إذا تم استغلالها واستثمارها لأغراض خاصة ضيقة محدودة ، فتلك طامة كبرى ، وهذا للأسف الشديد ما حدث ويحدث خلال السنوات القليلة الفارطة من ألفيتنا الثانية ، وخاصة مع سطوع نجم المهرجانات المسرحية الكثيفة في وطننا العربي ، إذ ما أن يُقدم عرض مسرحي فيه من التميز والجدة والإبداع ، إلا وانهالت المشاهدات على السوشيال ميديا وخاصة مشاهدات بعض النقاد ، بحثا عن مشهد أو ضوء أو حركة أو صورة أو تقنية في عرض من العروض المشاهدة عبرها لإثبات أن هذا العرض الحي قد سطا أو سرق واحدا أو بعض أو كل ما ذكرناه من هذا العرض السوشيالي ، ليصبح بعدها هذا المبدع المسرحي وعرضه غير لائقين بالمشاركة في هذا المهرجان أو ذاك ، ولينتشر هذا الفضح في كل أروقة المهرجان ليصل إلى أسماع المعنيين من منظمين ولجان تحكيم الذين عليهم الآن واللحظة مراجعة اختيارهم لهذا العرض ، والدفع بهم إلى إسقاطه من لائحة التميز لدى المحكمين كي يحظى بهذا التميز عرض من عروض الوشاة المشاركين في هذا المهرجان ، حتى لو كان هذا العرض دون المستوى ، المهم لديهم خلخلة لوائح التقييم والتحكيم بأي شكل من الأشكال .
وبسبب هذا اللهاث المرضي الخبيث ُظلمت الكثير من التجارب والرؤى الإبداعية في مسرحنا العربي ، خاصة ما إذا كان بعض أعضاء لجان التحكيم لا يتمتع بوعي إبداعي باحث في حقول المسرح أو محصلته المسرحية لا تتجاوز حدود التقليدي والمستهلك في المسرح ، أو له مصلحة خاصة في ترجيح هذه التجربة على تلك التجربة المبدعة . 
  إن مثل هؤلاء المحدودي الوعي وأعشار المسرحيين والمتطفلين على المسرح ، وهم كُثر للأسف الشديد في مسرحنا العربي ، بل أن بعضهم يتصدرون المشهد المسرحي فيه ، ونظرا لانغلاق تجاربهم المسرحية على جغرافيا محددة بعينها في أوطانهم ، لا يدركون أهمية الحوار الخلاق مع التجارب والرؤى المسرحية الخلاقة في العالم ، ولا يدركون دور التأثر الرؤيوي في عوالم المسرح ، أو ماذا يعني التناص والتماهي مع بعض الرؤى المسرحية وتشكيل رؤى إبداعية جديدة من خلالها ، ولأنهم وللأسف الشديد لا يتابعون ولا يقرؤون ولا يبحثون ، لا يعرفون بأن في المسرح اتجاهات ورؤى ، وإلا لألغينا كل من تأثر بالتبعيد أو التغريب لدى بريخت ، أو من تأثر بمسرح مايرخولد أو تادوش كانتور أو روبرت ويلسون أو بيتر بروك أو أريان نوشكين أو توفيق الجبالي أو بينا باوش أوأيريكا ليشته ، أو حتى بالفنون المسرحية بمختلف أشكالها الماقبلية والبعدية كفنون الفودفيل والكباريه والكرنفال ، أو ، والقائمة طويلة وتطول ، سواء في النص أو المخبرية الإخراجية أوالتقنية أو الفلسفة وأسئلتها لدى الكثير من الباحثين والمخرجين ، وبالتالي نصل إلى نتيجة مفادها بأن كل من تأثر أو مضى على خطى هؤلاء المؤثرين هم لصوص ومقلدين وأنصاف أو أعشار مبدعين في حقول المسرح . 
لاشك أن هناك فرق شاسع  بين عرض يتشكل وينطلق بغرض تأسيس لاتجاه مسرحي جديد وبين عروض تائهة الرؤية والبصيرة والاتجاه ، عروض تتخبط وتتعكز على منتجات مستهلكة منتهية الصلاحية ، تجد للأسف الشديد من ينظّر لها من بعض أشباه الباحثين والنقاد الذين وللأسف الشديد يقتحمون عوالم السوشيال ميديا ، لا لكي تستوقفهم بعض الرؤى المسرحية الخلاقة وبالتالي يفسحوا المجال لنوافذ عقولهم لاستثمارها رؤيويا ، بل ليؤطروا ويجمدوا هذه العوالم باعتبار أنها سلعة لا تخص إلا من أنتجها وليس من حق أي مسرحي آخر أن يستثمرها أو يحاورها . 
المسألة ياصحبي ليست في لوحة فانجوخ ، إنما في رؤية من استضافها في تجربته المسرحية ، كيف رآها ؟ كيف قدمها ؟ كيف حولها إلى عرض مسرحي ؟ .
المسألة لا تقف ياصحبي عند لوحة غويا ، إنما تتجاوزها برؤى من مسرحها وجعلها عرضا يهز رؤوس من شاهده .
المسألة ليست رهن المهاباهارتا العقيدة أو الأسطورة ، المسألة تكمن في رأس بيتر بروك الذي قال نعم للمسرح الحي ولا للمسرح الميت .
قضيتنا ليست أوديب ثيبه أو أثينا أو سوفوكليس ، قضيتنا كيف يخوض أوديب الأعمى غفار وبحار الكون حتى يومنا هذا ولم يزل البعض أعمى البصر والبصيرة لا يراه وهو أقرب إليه من حبل الوريد . 
والقائمة تطول وأسئلة المسرح لا تتوقف ، بل تقف لنا بالمرصاد حتى في لحظات اعتقادنا بأننا طرحنا السؤال الأهم على ذواتنا وتجاربنا ، بل أن غياب هذه الأسئلة هو ما يؤرقنا ويقلقنا ويستفزنا ، إذ كيف نكون جديرين بالحياة ونحن ولدنا موتى ؟ 
كيف نكون لائقين بالإبداع ونحن أول من يستهدف هذا الإبداع بعقولنا العقيمة الخاوية ؟ 
 إن العروض المسرحية الخلاقة ذات الاتجاه المخبري ، تعتبر عاملا محفزا للخلق ولميلاد تجارب مسرحية شابة جديدة ، ومن شأنها أيضا أن تشكل اتجاها مغايرا في حراكنا المسرحي العربي ، فلا نزجها في حروب لا طائل من ورائها ولا مستفيد منها إلا من عقُمت روحه ومخيلته ورؤاه ، فمن يبدع ليس كمن يتصيد في قنوات ومحطات السوشيال ميديا ليعكس لؤمه وجهله على من تجاوزوه في رؤاهم وإبداعهم ، وينبغي أن يدرك جيدا بأن هناك فرق كبير بين العرض المسرحي الخلاق والعرض المسرحي الترقيعي ، بين رؤى تمتد وتتسامق في إبداعها وبين رؤى تنطفيء من أول لحظة ضوء على خشبة المسرح ، بين تبني تجربة تشغل خلايا الرؤية والمخيلة بأسئلتها المغلقة الخلاقة وبين تبني تجربة رجراجة متعثرة متخبطة لا تتكيء إلا على عقمها منذ البدء ، بين تأثر يفتح أفق الرؤية ليشكل وهجا مسرحيا جديدا وبين تأثر يسمم بدن المخيلة والذائقة .
لذا أجزم بأن هناك فرق شاسع بين التبني والتأثر الخلاقين في المسرح وبين السرقة المزعومة التي وُرط بها مبدعون لأسباب لا يعلمها إلا من تقصد توريطهم بحجج قوامها الحقد والسخط على من لم يكن رهنا لمسلماتهم العقيمة . 
وأتساءل أيضا : أليس هناك فرق شاسع بين سارق كرر طرق سرقته حتى تم القبض عليه بسببها ، وبين سارق أدرك بأن أول طريقة من طرق السارق الأول فتحت أمامه أبوابا لسرقات عدة حتى باتت هذه السرقات تُنسب إليه وبالتالي صار هو مبدعها والمؤثر في الآخرين من خلالها ؟ فما بالك إذا كانت هذه السرقات الخلاقة مفتاحا لإنتاج وعي مسرحي إبداعي جديد في حراكنا المسرحي العربي ، هل نرفضه لأنه ذيّل سرقته الأولى بعنوان منتجها الأول أم نقبله لأنه أضفى على هذه السرقة عنوانا جديدا يطلق عليه الإبداع ومشروعية استثماره والتأثر به مسرحيا ؟ . 
ألا  تعد مثل هذه السرقة عادة حميدة ؟.. 
اعذروني أعزائي اللحظة هذه ، فقد انفتحت شهيتي على آخرها لمتابعة حلقة جديدة من مسلسل ( كن دوغماتيا حتى تتصلب شرايين عقلك ) ! .
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون