مونودراما"فاتي اريان": المتاهة الممتدة من قسوة القرية الى ضياع المدينة.
2023 ,14 آب
رسمي محاسنة:صوت العرب – الاردن.
ماتزال المراة ضحية المجتمع بكل تلاوينة،ضحية كل جغرافيا يتحرك بها الرجل،من الريف الى المدينة الى البادية، وكأن المونودراما المغربية "فاتي اريان" التي عرضت على مسرح حبيب الزيودي في مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي، ضمن الدورة الاولى لمهرجان الزرقاء للمونودراما،كانها تقول ان لاخلاص للمراة والانسانية في ظل هذا التخلف والتسلط والانتهازية المجتمعية التي يقودها الرجل.
في"فاتي اريان" الفتاة "فاطمة" التي تحاول النزوع نحو فضاءات اكثر رحابة، بالهروب من القرية ،ومجتمعها المتخلف، والنظرة الغير محايدة للمراة، تهرب الى المدينة، اعتقادا منها بان هناك فضاء انساني اكثر وعيا، وتفهما للمراة ودورها كشريكة في بناء وبنية المجتمع.
فتاة وقعت في الحب، ووجدت في هذا الحب حالة امان، واعتبرته خيط النجاة لها، وحماية لانسانيتها من مجتمع يعيش بمعايير ملتبسة،وسلوكيات متناقضة منافقة.
 تتدلى خيوط في عمق المسرح،في ظاهرها تمثل للفتاة خيوط امان، لكنها مجرد مصائد في وقائع الحياة التي تواجهها في المدينة التي هربت اليها، تمثل هذه الخيوط متاهة،تزيد من حيرة الفتاة،وتحيلها الى اسئلة بلا اجابة، عن هذا العالم القاسي،الذي لايرى فيها الا مجرد جسد، ويعاملها بنظرة دونية،ممعنا في الاستغلال، وتضييق الخناق عليها، والعمل على استهلاكها انسانيا.
وبمقدار مايحمل العمل من خصوصية مغربية، الا انه يكشف زيف المجتمعات المتخلفة، وماهذه الاقنعة المعلقة على الخيوط المتدلية، الا مصائد للايقاع بالفتاه،واستغلالها بشكل بشع.
هذه الاقنعة التي تم توظيفها لصالح فكرة العرض، والتي تم استخدامها باحترافية من الممثلة" صفية زنزوني"، بهذه الرشاقة والاستخدام المتقن،في دلالة عن هذا المجتمع المتخفي تحت اقنعة كاذبة،يخفي بها عيوبه وتخلفه وكذبه ونفاقة. وهي نفس الاقنعة التي نواجهها في حياتنا،وكثير منهم حولنا يرتدونها،يزيفون الواقع،ويكرسون نماذج التفاهة والانتهازية.
وقد حوّل المخرج"مولاي الحسن الادريسي" النص الى معادل بصري، بمقترحات موفقه لعناصر العرض المسرحي، فاذا كان اداء"صفية زنزوني" اداءا مثاليا في فهم عميق للشخصية بكل تحولاتها والمؤثرات عليها، وانفعالاتها، وردات الفعل من امل وخيبات،بحضور استثنائي وحركة محسوبة،وتقديمها حكايات متداخلة،وكلما انهك هذا الجسد، تقوم من جديد على امل ان تجد بابا مواربا تستعيد بها ذاتها،فكان هذا الاقناع والتاثير على الجمهور، فان بقية عناصر العرض كانت موظفة لخدمة فكرة العرض، فالاضاءة كانت تعبر بذكاءعن دواخل الشخصيات،وتتمدد مساحتها على المسرح حسب مقتضى الحالة الشعورية للشخصيات، الى جانب الموسيقى والغناء، حيث تهيء للحدث، او تعبر عنه، او تساهم في تفسيره.
لم يستخدم المخرج اي كتل مجانية على المسرح، انما كل تفصيل له وظيفته ودلالته،
العرض يستحق اكثر من قراءة،سواء على مستوى الفهم العميق لتحويل منطوق النص الى معادل بصري متماسك، او على مستوى الاداء العالي للممثلة "صفية زنزوني" وبقية ملحقات العرض المسرحي".
مسرحية"فاتي اريان" من تاليف" محمد ماشتي"، وإخراج "مولاي الحسن الإدريسي"، وتمثيل" صفية زنزوني"، ومساعدالمخرج "عبد الرحمن خالص"، وسينوغرافيا "صفية زنزوني"، وتاليف الموسيقى" المختار بلخدير"، وغناء "المختار بلخدير، فاطمة كيب ".
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون