نقاد التسطيح باالأ موراي ..صرخة ثامنة في وجه النقد المميت ..
2023 ,05 آب
يوسف الحمدان :صوت العرب – البحرين.
لقد ابتلت ساحتنا المسرحية بنقاد لا تتجاوز قراءاتهم النقدية حدود الظاهر والمسطح في العرض المسرحي ، دون محاولة منهم للايغال عميقا في جسد أو روح التجربة المسرحية لاكتشاف تفاصيل دقيقة من شأنها اثراء هذه التجربة برؤية جديدة تستثير حوارات وقراءات حولها وتعمقها وتفتح افقا دلاليا جديدا في عوالم النقد المسرحي والكتابة المعملية للعرض المسرحي .
إنها للأسف الشديد كتابات تسعى لتسطيح التجربة وتسذيجها ، ولا تتجاوز حدود الظاهر منها والمكشوف والمعلن ، كما تسعى لاعتبار هذا الظاهر بشتى مفضوحاته المعلنة كشفا جديدا في النقد وذلك بتزيينها وزخرفتها لكل تفاصيله وبالتالي لا تثير مثل هذه الكتابات سوى ما يطمئن له العارض المسطح الذي للأسف الشديد يولي هذا النوع من الكتابات أهمية كبيرة ويضعها في مصاف الكتابات النقدية المتميزة والتي أيضا يوثقها باعتبارها النموذج الأمثل الذي ينبغي كل النقاد أن يحتذوا حذوه ، والنتيجة في نهاية الأمر مزيدا من التسطيح والتسذيج من أجل مسرح يحتفي بالظاهر ويتجاهل بواطن ومثالب التجربة المسرحية ، إذ كلما اوغل الناقد في التسطيح ، تجلت مناقب النقد الحقيقي الذي يطمح كثير من العارضين إلى تمثلها في تجاربهم المسرحية ..
هذه النماذج النقدية البلهاء ساهمت للأسف الشديد في طفح كثير من العروض المسرحية المتخلفة على السطح والتي وجدت من يطبل لها ويعتبرها نماذج مميزة في المسرح جدير بالمهرجانات المسرحية استقبالها والاحتفاء بها ، وهذا فعلا ما حدث ويحدث في هذه المهرجانات ، إذ لم يزداد منسوب العروض المسطحة فحسب ، بل ازداد معها منسوب هذا النوع من النقد ايضا ..
ولعل هناك الكثير من الجمل والعبارات التي باتت مستهلكة لدى هذا النوع من النقاد إلى حد السأم والضجر والتقزز ، مثل : عرض مبهر ، عرض مدهش ، عرض سهل ممتنع ، عرض مكتمل العناصر المسرحية ، عرض متناسق ورشيق والكثير من العبارات والاطراءت التي لا تذهب إلى عمق التجربة إن كان بها عمق ، ولا تقرأ دقائق العرض ولا تكتشف ولا تشي برؤيتها النقدية حتى ، وعليك أن تتجرع مرارات هذه الأوصاف البائسة العقيمة في كل مهرجان تشرئب فيه أعناق هذه النقاد إلى درجة يصبح فيه هذا الناقد هو العرض والناقد ايضا !!.
لقد باتت أدوات ومفردات مثل هؤلاء النقاد مستهلكة إلى درجة لا تطاق ، ولا تشي لجديد تماما ، وأصبحنا نسمعها في كل سانحة مهرجانية إلى حد ايقنا فيه بأن ما استمعنا إليه 
سنسمعه بعد أعوام قادمة ، وإن اختلفت مع أحد من هؤلاء وصموك بالحاقد والمكابر والمتعالي ، فكن مع القطيع تسلم ، وإن عارضته فلربما تحرم من حضور هذه المهرجانات واللقاءات المسرحية ..
والمؤلم في هذا الإشكال اليائس صمت بعض النقاد عن مواجهة هذا الهراء ( النقدي ) ، هذا الصمت الذي حتما سيضاعف المشكلة ويساهم في تفاقمها ، وذلك باطمئنان هذا النوع من كتبة النقد المسطح الظاهري بأن ما يجودون به من آراءهم تجاه العروض المسرحية المسطحة هو النموذج الحقيقي للنقد وعدا ذلك فإنه باطل وقبض ريح، وسيؤكدون من جهة أخرى بأن ما يجودون به من هذه الآراء هو نتاج مدارس النقد التي نهلوا منها وتشربوها وليس انطباعات عابرة تقل في قيمتها النقدية عن مستوى النقد والدرس الإنشائي..
إن هذا النوع من النقاد يعتبر العرض نشازا بلا ازياء وألوان مبهرة وبلا صراخ ودموع وانفعالات وحركات مبالغ فيها وبلا مؤثرات موازية احيانا تكون أكثر قوة وتاثيرا من أداء المؤدي للعرض ، وكلما اوغل العرض في إبراز وإعلان عناصره كلما كان اكثر تواشجا مع المستوى المسرحي المطلوب أو المبتغى ، وكلما اوغل في الذهاب إلى العمق أصبح غامضا ومريبا ولا يمت بالمسرح المفترض لديهم ، وهذه حالة استشرت للأسف الشديد كالغدة السرطانية في جسد هذا النوع من النقاد المسطحين الذين اسقطوها بدورهم على العروض التي يتصدون لها بالنقد ..
إن هذا النوع من النقاد وصل بهم الاعتقاد بأن الرؤى العميقة والمغايرة  في بعض العروض المسرحية التي تقدم في هذه المهرجانات المسرحية بأنها تجني على نفسها باضمار ما ينبغي أن يكون معلنا فيها ، وأنها عروض تعنى بذائقة ليس لها نصيب من المسرح الفرجوي الذي ينبغي أن يفهمه ويستوعبه كل الجمهور واولا ذائقتهم هم ، وهذه كارثة ابتلى بها مسرحنا العربي حقا !!.
إن النقد أو القراءة النقدية إن لم تكن اشبه بالالترا سوند أو الاشعة المقطعية ( amri ) تستبر خلايا أعماق جسد التجربة وتشخص خلاياه النووية الدقيقة وتقف على فانتازيا وهيولية الحركة الميكروفيزيائية والنفسية فيه ، فهي كل شيء إلا أن تكون خطابا اكتشافيا استشرافيا ابداعيا يتكيء على أسئلة عميقة تفكك جسد التجربة وتقترح من خلاله رؤى جديرة بأن تكون قمينة بالابداع والفكر الخلاقين والمؤثرين حتى مديات قادمة بعيدة ..
لذا ينبغي اختيار النقاد الخلاقين في مثل هذه المهرجانات حتى لا يتفاقم حجم خراتيت يونسكو في مسارحنا ويصعب 
بعدها القضاء على العفن الذي استشرى في جسد مسرحنا العربي..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون