*"تكريم".
2022 ,30 كانون الأول
 
احمد عبدالوهاب : صوت العرب – القاهرة.
بينما يداعب الهواء الآتي من الشباك وجه حسين في سيارة النقل الجماعي من القاهرة الى العريش ذاهبا لعائلة كبيرة في العريش للتقدم لخطبة ابنتهم زميلة الدراسة. 
وبينما هو سارح في خيالاته ومخططات المستقبل والتجهيز لبداية حياة جديدة.
يفيق على كلمة من الراكب الجالس بجانبه وهو ينظر خارج السيارة على عربة جيش تمر بجانب السيارة وتحمل سلاح من اسلحة الحرب،
 قائلا بأسى واضح: ياه .... ياما قتلت بشر ... ياما كسرت عضم ... ياما حرقت قلوب امهات على ضناها ..... ده اللى عملك ده هيتحرق فى نار جهنم
ويرى حسين دمعة خفيفة تتكون فى عين الراكب محاولا ان يداريها تحت جفونه ولا يستطيع. 
وصوت بداية بكاء مكتوم مصاحب لانتفاضة تشير الى فيضان من الاحساسيس وراء سد من الكتمان 
يلفت الموقف انتباه حسين ويرق قلبه ويشفق على كبير السن مما رأى. 
وبهدوء يحاول ان يكلمه وهو يربت على كتفه،
ويقول مواسيا: ايه يا حاج انت هتعيط ولا ايه؟ استهدا بالله كدة ... محدش واخد منها حاجة
وبعد انتصار الراكب في معركة التحكم في مشاعره والحفاظ على السكينة ومسح السيل الهارب من عينيه،
 يرد بصوت متقطع: ولا هعيط ولا حاجة يبنى.
حسين: ايه الحكاية يا حاج. ماله المدفع ده. عملك ايه. (مع ابتسامة خفيفة) قولى وانا انزل اجيبهولك من رقبته
الراكب: ولا حاجة يبنى. اهو كل واحد بياخد نصيبه
حسين: انت تعبان يا عم الحاج ولا ايه. تحب اجى معاك اوصلك لما ننزل من العربية؟ ولا انت معاك حد هنا فى العربية (وهو ينظر على الركاب)
الراكب: لا يبنى انا مش معايا حد. انا معايا ربنا
حسين: ونعم بالله. (وبشكل عتاب لطيف) وهو اللى ربنا معاه يعمل كدة برده. ربنا يديك الصحة يا حاج. والله لو عايزنى معاك انا تحت امرك. انا زى ابنك يعنى. وفاضى ماوراييش حاجة ( مع ابتسامة خفيفة)
الراكب: ربنا يكرمك يبنى ويبارك فيك.
حسين محاولا التخفيف عنه: ايه حكايتك مع المدفع ده يا حاج؟ الا هو انت اسمك ايه يا حاج؟
الراكب: اسمي سعدون يبنى
حسين: عاشت الاسامى يا عم سعدون. انت سايب القاهرة ورايح العريش ليه يا عم سعدون
عم سعدون: لا يبنى انا أصلا من رفح. بس كنت في زيارة لواحد صاحبي في السويس وبنتي في القاهرة 
حسين: ربنا يديك الصحة يا عم سعدون. بس السفر تعب عليك فى المسافة دى كلها. ما تطمن عليهم بالتليفون أحسن. واهو بيقرب البعيد برده
عم سعدون يبتسم ابتسامة فيها من الياس والالم
يستكمل حسين .. انا أصلا من السويس. ساكن فين صاحبك وانا اخلى قرايبي يتطمنوا عليه وابلغك. (وهو بيطلع تليفونه) ادينى تليفونك يا عم سعدون. .... هو ساكن فين في السويس يا عم سعدون؟
عم سعدون مطأطئ راسه: في الصحرا يبنى.
يتفاجيء حسين وتتسمر كل حركاته من الصدمة وينظر لعم سعدون ويقول: نعم؟
عم سعدون: ايوة يبنى في الصحرا. من ساعة اللغم اللى ضربه وهو هناك. (مع بداية بكاء متزايد) هو الوحيد اللى معرفتش الحقة (بكاء شديد مع صوت واهتزاز شديد) ... معرفتش الحقه
يا حبيبى يا كامل... الله يرحمك يا كامل .... من ساعتها وانا لازم اروح ازوره كل ما اقدر.  كان دايما يقولي بعد الحرب ما تخلص لازم اروحله أزوره في بيته.  وانا بنفذ وصيته يبنى... 
كنا ف كتيبة 15 مدرعات. وانا كنت شايل عبد الرحمن بعد الدبابة ما داست على رجله، انا لو ماكنتش سحبته من تحتها كانت داست على باقي جسمه. 
وعشان الحقه كان لازم رجلى هى اللى تيجي تحتها. والحمد لله انقذته. ورجلي جت تحت الدبابة. وزى مانت شايف. (بتنهد) الحمد لله
حسين مصدوم من اللى بيسمعه ويكتشف ان عم سعدون برجل واحدة وعكازه جنبه........ ويتصدم اكتر انه ماكانش واخد باله
يكمل عم سعدون: لحقت عبد الرحمن بس مالحقتش كامل
اخر النهار اليوم ده، الصول سيد والممرضين جم من المستشفى ياخدوا الجرحى. وانا خليته ياخد عبد الرحمن الأول يوديه هو والباقى ويبقى يرجع ياخدنى.
لمحت عسكرى صهيونى من بعيد منشن على سيد وهو بيحط عبد الرحمن على النقالة.
شديت سيد وخدته ف حضنى. الحمد لله الرصاصة ماجاتش فيه. جت فيا انا ف كتفى اليمين. الحمد لله (يكشف عم سعدون كتفه) جت طايشة من برة ويدوبك جرح..... كبير اه بس الحمد لله.
 سيد راح بعبد الرحمن المستشفى. ولما رجع عشان ياخدنى كان مستنيه ابن اللئيمة الصهيونى. نشن وضرب ضربته الغدار وانا على النقالة.
كل اللى قدرت عليه انى ارفع ايدى وازق سيد عشان يقع والرصاصة ماتجيش فيه
جت في كفى وعدّت منه على كتف سيد خدته ف سكتها. والحمد لله ايدى كدة من ساعتها
حسين لسانه عاجز عن الكلام وصدمته بتزيد من اللي بيسمعه وانه اتفاجيء تانى ان عم سعدون من غير الكف الشمال
عم سعدون يكمل وهو بيعيط: معلش يا كمال مالحقتكش ...... (بكاء). يا ريت حتة تانية من جسمى اتاخدت عشان الحقك يا كمال ..... بكاء ... يا حبيبى يا كمال. كنت غالى عليا اوى .... قصرت ف حقك والله
حسين عينه بتزيد ذهول من اللى بيتقال وسيل دموع نازل ومش عارف يرد. 
عم سعدون يكمل .... ورحنا خيمة المستشفى ولحقونا والحمد لله
واحنا فى المستشفى ماكملناش ساعة وما حستش بالأمان
خدت عكازى ومشيت شوية استكشف..... واحساسى كان صح
عرفوا مكاننا واستهدفونا....  رجعت بسرعة أبلغهم ينقلونا بسرعة عشان هيدمروا المستشفى ويدمرونا.
وهما بينقلونا طلبت انى اكون في اخر مجموعة هتنقل ... 
ونقلوهم فعلا واحنا كنا اخر مجموعة تتنقل...... واحنا بنتحرك شفته جاى من بعيد ... الملعون ... اللى ضرب على سيد وخد كفى معاه.. ال آر بى جى الملعون وعليه العسكرى الملعون.
حلفت ماهو طايل ولا واحد فينا ..... خدت عكاز وسلاح ونزلت .. وهما يندهوا عليا ... هتموت يا سعدون ... هتموت يا سعدون.. وانا لا كانى سامع 
مانا كدة كدة هموت .... هو واحد فى حالتى دى وممكن يرجع بيته تانى؟ ... مش ممكن
انا أصلا ميت ماشي على الارض
مشيت فى اتجاه عكس وضربت عليه كتير لحد ما ركز معايا وجه ناحيتى
وانا يمين بالله مانا سايبه الا اما اجيبه ...... استخبيت ورا صخرة صغيرة ... ولسة بلف عشان انشن عليه لمحت عادل بتاع المنيا قدامى ... كان جاى ورايا عشان ياخدنى. مارضيش يسبينى ... 
ولسه بقوله ايه اللى جابك ... كان الملعون منشن عليه
برجلى السليمة خدته مقص وقعته عالارض .. بس الملعون ماكانش لسة ضرب.
ولما عادل وقع عالارض ضرب ضربته
الحمد لله الرصاصة ماجاتش كلها  ف عادل .... (نظر الى حسين مع ابتسامة خفيفة) الحمد لله جت فى كف رجلى الشمال خدت نصه وهي رايحة لعادل
حسين يبتسم وسط العياط ويبصله بصه وكأنه بيقوله ايه اللي انت بتقوله ده وايه اللى انت بتعمله ده
يكمل عم سعدون مع ابتسامة .... خد نص وسابلى نص ..... الحمد لله
عادل بقى كان عالارض ويدوبك خدت حتة من وشه ...... يسكت ثانية ..... ويبص لحسين ويقوله .... وعينه اليمين
بس الحمد لله ماماتش
وانا بقى حلفت يمين على اليمين اللى قبله لاجيبه ....
ربنا يسرها ونشنت.. (صوته يتزايد مع كل كلمة) وركزت ... واتاكدت .... واتوكلت ..... وضربت
يبص لحسين بعين ماليانة دموع وفيها لمعان وواسعة وفيها احساس الانتصار
وبقوة يقول .... وجبته ... الملعون ابن الملعونة
ينزل راسه ويفتكر كامل ويرجع يعيط ..... بس مالحقتوش ..... مالحقتكش يا كامل ..  الله يرحمك يا كامل
حسين بصوت خفيف وذهول يقول : ايه ده يا عم سعدون 
اللى انت حكيته ده اسمه حكاية بطل
صوته يعلى بشكل بسيط: انت بطل يا عم سعدون
انت عارف انت انقذت كام واحد يا عم سعدون 
كام واحد وكام اسرة
طب الدولة كرمتك امتى يا عم سعدون .... انا اسف ماتاخذنيش فى الكلمة يعنى ... انا عمرى ما سمعت اسمك فى اسماء الناس اللى عملوا بطولات فى الحرب..
عم سعدون : تكريم ايه يبنى .... هو انا عملت كدة عشان تكريم .... مانا كان زمانى قاعد ف بيتى مستريح ولا حد هيعرفنى ولا يسمع عنى ... 
وانا أصلا كبرت على الجيش وماليش تجنيد. بس ازاى اقعد في بيتي وغيري بيحارب عشاني. 
انا حسيت انى اقدر اقدم حاجة لبلدى ... وماستنتش. نزلت احارب مع اخواتى على طول....... لله يبنى
رفضونى عشان سنى. بس انا برده ما رجعتش وورخمت عليهم لحد ما خدونى.
رحلونى على كتيبة في السويس كانت ناقصة جنود. والحمد لله حاربت معاهم
فى كتير غيرى واحسن منى عايزين يعملوا حاجة للبلد ويقدروا. 
فى ابطال كتير فى البلد يبنى.
وبعدين مش لازم البطل يبقى فى الحرب وبس.
انت لو ربيت ولادك كويس فى الزمن اللى كله فتن ده باللى يرضى ربك.... تبقى بطل
لو احسنت لابوك وامك وقت احتياجهم ليك وشيلتهم ف عنيك ..... تبقى بطل
لو اخلصت فى شغلك وعملته احسن ما يكون وكسبت بالحلال..... تبقى بطل
لو عاملت الناس اللى حواليك بالحسنى وعلمتهم ووجهتهم للخير .... تبقى بطل
 لو راعيت ربنا فى كل تصرفاتك وخفت يوم الحساب وعملتله .... تبقى بطل
لو ايدك دايما ممدودة لغيرك تساعده باللى تقدر عليه ..... تبقى بطل
كل واحد فينا يبنى يقدر يبقى بطل .... وأحسن منى كمان
تكريم ايه بس اللي بتقول عليه
حسين: انت بطل من نوع تانى يا عم سعدون ... انت عارف انت انقذت كام واحد من الموت؟ ........ 
ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا
انت اتحملت اللي ما يتحملوش جبل .... وصبرت على الألم وانت ليك ترتاح في بيتك. 
انت بطل يستحق تكريم فوق تكريم يا عم سعدون
بصوت متوسط: احنا معانا بطل في العربية يا جدعان
يبص للناس اللى فى العربية ويقول بصوت عالى : احنا معانا بطل فى العربية يا جدعان
يتفاجيء حسين وياخد باله ان العربية واقفة مش ماشية
مفيش هوا داخل من الشباك  ...... مفيش صوت للناس اللى فى العربية .. سكون تام
ويكتشف ان كل اللى فى العربية بيسمعوا ... وكلهم بيعيطو بصوت مش مسموع
حسين : ايه .... هو فى ايه
يبدء صوت البكاء يعلى من كل اللى فى العربية
حتى السواق مش قادر يمسك نفسه
حسين : هو فى ايه جماعة .... انتوا كنتوا سامعين اللي انا سامعه
بصوت اعلى خلى صوت عياط الناس اعلى واعلى: احنا معانا بطل فى العربية يا جدعان
والبلد ماتعرفش عنه حاجة وما اتكرمش على اللى عمله
والله لازم يتكرم احسن تكريم
وواحد من الناس البسطاء اللي في العربية يقول بصوت عالي: والله اجرتك عليا يا عم سعدون
وغيره يقول لا والله عليا انا ياعم سعدون ..... وتتشابك الاصوات: عليا انا ... لا عليا انا ... وهكذا
السواق بصوت عالى: باااااااااااااااس ...  ولا واحد فى العربية هيدفع مليم ... كرامة ليك يا عم سعدون. وهوصلك بالعربية لحد باب بيتك
العربية كلها بتداخل الاصوات ... ومنها اللى لسة بيعيط: كلنا هنوصلك..... كلنا هنوصلك
حسين: والله يا عم سعدون لاشيلك على ضهرى م العربية لحد باب بيتك
عم سعدون: لا يبنى كتر خيرك.. مش للدرجة دى ... انا بعرف امشي كويس والحمد لله. (وهو يبتسم) واسابقك فى الجرى كمان لو عايز... تحب اوريك
الكل ضحك مع صوت عياط خفيف رجالة وستات
ولحد ما العربية وصلت لحد بيت عم سعدون وهما بيتكلموا ويهزرو معاه من باب المحبة والتخفيف والتأثر
وقفت العربية ونزل حسين من العربية وشال عم سعدون لحد باب البيت 
والناس اللى فى العربية كلها اتلفوا حواليه تودعه وتقوله باصوات متداخلة
ربنا يديك الصحة يا عم سعدون ... ربنا يبارك فيك يا بطل .. حمدا لله على السلامة يا عم سعدون ..... وهكذا 
عم سعدون: كفاية كدة يبنى كتر خيرك .... بس انا عايز اطلع بيتى على رجلى
ينزله حسين ويقوله: انا مش عارف اقولك ايه والله يا عم سعدون
انت غيرتني فعلا. وانا اوعدك ان هكون بطل من الابطال اللى قلت عليهم
عم سعدون: متشكر ليكو يا جماعة ... ربنا يبارك فيكم كلكم ... اللى عملتوه ده احسن تكريم ليا والله. ربنا يخليكوا لولادكم ولبلدكم
والردود متدااخلة
وفجأة عم سعدون يحط ايده على قلبه ويتالم بشدة .... حالته تزيد
واصوات متداخلة: ايه يا عم سعدون مالك .... ايه الحكاية وهكذا
وعم سعدون يقع على الارض ويفارق الحياة
سبحان الله .... وكأن ربنا كان عايز يكرمه في الدنيا قبل ما يكرمه فى الاخرة
حسين يبص لعم سعدون ويقول: ان شاء الله ربنا الكريم هيكرمك فى الاخرة بزيادة يا عم سعدون. 
مع السلامة يا بطل.
*القصة القصيرة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة مهرجان جنوب سيناء الدولي الاول.
 
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون