وداعا"قيس الزبيدي"...احد حرّاس الذاكرة...وعاشق فلسطين والمقاومة.
2024 ,06 كانون الأول
المخرج قيس الزبيدي
رسمي محاسنة:صوت العرب – الاردن.
ويصل "قيس الزبيدي" الى رحلته الاخيرة، يغادرنا بعد مسيرة طويلة،في محطات عالمه الاثير"السينما"، مابين العراق حيث المولد، والمانيا "الشرقية" حيث الدراسة والاقامة والعمل لاحقا، مابين دمشق وبيروت، وعمّان، حيث كانت محطات ابداعية،ترك فيها بصمته باشتغالاته السينمائية المتنوعة – مثلما كان ترحاله-، هذه الابداعات مابين الاخراج والتصوير والمونتاج وكتابة السيناريو، والتاليف، وكتابة المقالات والدراسات،كل ذلك بوعي، وشغف، وتكريسا للدور الحقيقي للفنان المثقف والملتزم، حيث كانت"فلسطين والمقاومة" بوصلته التي لم تغب عن منجزه الابداعي.
في رحيل "قيس الزبيدي"، يحضر من الذاكرة عام 1989، وفي مهرجان"ليبزج السينمائي الدولي"، الذي عرف عنه مناصرته للقضية الفلسطينية، لكن في ذلك العام كانت بوادر انهيار الاتحاد السوفياتي، التي انعكست ظلالها على سياسة المهرجان، الذي كان من ضمن برامجه فيلم"واهب الحرية"،الذي يوثق فيه"قيس الزبيدي" العمليات التي خاضتها المقاومة اللبنانية والفلسطينية بين عامي 1982 و  1985 ضد القوات الإسرائيلية، ما بين صيدا والجنوب والبقاع الغربي...لكن قبل موعد العرض فوجئنا بان القاعة المخصصة للعرض، قد تم اشغالها بفيلم اخر،وفهم"قيس" الرسالة، وكان لابد ان يتصرف باصرار على عرض الفيلم ،وبحكم علاقاته هناك، تم اختيار قاعة صغيرة، وقمنا بتجميع الكراسي، ومعنا الناقدة البلغارية"مايا بافلوفا"،وامتلأت القاعة الصغيرة بالحضور،وبعضهم وقوفا، وبمقدار ماكان سعيدا بتفويت الفرصة على ادارة المهرجان، بمقدار ماكان غاضبا،وتحدث عن خوفة من هزة سياسية قريبة، وهكذا كان بعد مدة قليلة بانهيار الاتحاد السوفياتي.
“قيس الزبيدي” الذي استقوى عليه المرض في المرحلة الاخيرة، عاش حارسا للذاكرة الفلسطينية،وعبر رحلته الطويلة، قدم اعمالا ستبقى في البال،بهذا الثراء الذي تزودت به السينما العربية، وبشكل خاص افلامه الوثائقية، والتي عرضنا عددا منها في لجنة السينما/ مؤسسة شومان بعمان، ومن خلال هذه العروض، تبين لنا الجهد والاخلاص والمهنية العالية، والالتزام الوطني في توثيق مراحل ومفاصل مهمة من تاريخ القضية الفلسطينية.
لم يكتف”قيس الزبيدي” بانجاز الافلام، انما عمل على تاسيس الارشيف الوطني الفلسطيني بالتعاون مع الارشيف الاتحادي في برلين،وله الفضل في الوصول الى كثير من الوثائق الفلسطينية النادرة،الموجودة في الارشيف الاوروبي،ولعل دراسته في  معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ /المانيا، حيث حصل على دبلوم في المونتاج  1964، وآخر في التصوير عام1969،ساعدته بنسج مجموعة من العلاقات في المانيا واوروبا،والتي قام بتوظيفها لتوثيق الذاكرة الفلسطينية.
 برزت هوية "قيس الزبيدي" مع اول اعماله بفيلم “بعيداً عن الوطن” (1969) الذي سلط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين،حيث الفيلم يوثق للاجئين الفلسطينيين في سوريا، بتجربة غير مسبوقة آنذاك، إذ أخذ الأطفال بعد التصوير ليعرض عليهم اللقطات التي صوّرها لهم وللمخيم وناسه، وسجّل ردود أفعالهم وضحكاتهم وكلامهم وأضافها للفيلم.
اما الفيلم القصير «الزيارة» (1970)، فهو عمل حزين يتنقّل بين نصوص على الشاشة لقصائد عن المنفى والموت لمحمود دوريش وسميح قاسم، وبين مشاهد مظلمة تصوّر محاولة رجل فلسطيني عبور الحدود والعودة إلى الوطن.
وفيلم "وطن الأسلاك الشائكة"وهو من الافلام المهمة التي حذرت في وقت مبكر من خطر الاستيطان في فلسطين،وافلام "شهادة الأطفال في زمن الحرب ــــ 1972"، و"وطن الأسلاك الشائكة ــــ 1980" و"مواجهة ــــ 1983" و "ملف مجزرة ــــ 1984"حول الاجتياح الاسرائيلي للبنان،ومجزرة صبرا وشاتيلا، و"فلسطين... سجل شعب ــــ 1985"الذي يستعرض فيه تاريخ القضية الفلسطينية منذ مؤتمر بازل 1897 وحتى دخول منظمة التحرير الفلسطينية في عضوية الأمم المتحدة عام 1964 ، و"واهب الحرية" عن المقاومة اللبنانية، و"فلسطين عنوان مؤقت" حول تاريخ الاستيطان الإسرائيلي ماضيًا  وحاضرًا.وغيرها من الافلام التي تشهد على ان "قيس الزبيدي" قد وهب نفسه لفلسطين والمقاومة.
وكان لصديقته المحامية اليهودية-الالمانية،- التي كانت تدافع بقوة عن حقوق الفلسطينيين بقوة وثبات- مساحة في افلامه من خلال فيلم""صوت الزمن الصامت"(1991)  بما يحمل اسم الفيلم من دلالات، كما انجز"الزبيدي" مجموعة من الافلام بعنوان"مياه قيد الاحتلال" .
واثناء تواجده مابين دمشق وبيروت تعاون مع عدد من المخرجين منهم"محمد ملص،وعدنان مدانات، وقاسم حول،ومصطفى ابو علي، وعبدالهادي الراوي"،وخالد حمادة، ونبيل المالح، وغيرهم.
"قيس الزبيدي" المتوهج بالابداع، كانت له تجربته مع الفيلم الروائي الطويل"اليازرلي" (1972) الذي اعتبره"قيس" بمثابة بيان ل"السينما البديلة" حيث دمج بين الفن التجريبي والرؤية السينمائية لتقديم قراءة معمقة للواقع السياسي والاجتماعي العربي.
وهناك افلام اخرى منها  فيلم "صوت من القدس" (1977 ) عن المغني الفلسطيني مصطفى الكُرد -منشد الانتفاضة الفلسطينية،وفيلم "الكابوس"، 1991، عن ثمانية رسامين سوريين من أجيال مختلفة، من بينهم فاتح المدرس،وفيلم"الوان" 2009،عن الفنان التشكيلي العراقي جبر علوان. وفيلم "إننا محكومون بالأمل" عن سعدالله ونوس.
وقد صدر له عدة كتب منها"فلسطين في السينما"2006،ويجمع هذا الكتاب ما رصدته الكاميرا عن فلسطين في تسعة عقود، من وعد بلفور إلى ملحمة جنين، في نحو ثمانمئة فيلم من جنسيات مختلفة،من فلسطينيين وعرب وأجانب،وكذلك كتاب فلسطين في السينما (2): ذاكرة وهوية ،2019،وكتاب "المرئي والمسوع في السينما" 2006، يسلط الضؤ فيه على جوانب مختلفة من العملية السينمائية، بدءاً من الفكرة وصولاً إلى الشاشة،وكتاب "مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم، ومونوغرافيات في الثقافة السينمائية"،يقدم فيه قراءة عن فن الصورة في السينما.
وقد صدرت عن تجربته كتب لعل اهمها، ما اصدره المخرج"محمد ملص" تحت عنوان"قيس الزبيدي: قصاصات على الجدار" 2019،الذي يوثق فيه "ملص" صداقة، وهموم سينمائية، ورؤى مشتركة واحلام  بمقترحات جمالية وفكرية مختلفة.
وقد حاز المخرج"قيس الزبيدي" على الجوائز والتكريمات، وبغيابه تفقد الرواية الفلسطينية احد فرسانها، حيث عمل عبر مسيرته الغنية، على توثيق الرواية الفلسطينية الحقيقية"سينمائيا"،مقابل الرواية الصهيونية المستندة الى اكاذيب بلا حدود.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون