فيلم "الما بين" للمخرجة"ندى المازني حفيظ":جرأة الطرح وجمالية المعالجة.
2023 ,22 تشرين الأول
*د. فوزية ضيف الله :صوت العرب – تونس.
يكون فيلم "المابين" في قاعات السينما بداية من يوم 25 أكتوبر 2023، بعد عرضه الصحفي الأول بقاعة الطاهر شريعة يوم الخميس 19 أكتوبر 2023، وسوف يكون العرض ما قبل الأول اليوم 21 أكتوبر 2023 بقاعة (Pathé Tunis City) بحضور فريق الفيلم.  وسوف تُخصّص نسبة كبيرة من العائدات للهلال الأحمر الفلسطيني. 
يطرح فيلم "الما بين" ( Take my Breath) ، مسألة ثنائية الجنس أو "المابين". تطرق فيه المخرجة ندى المازني حفيظ "التابوهات"  كما دأبت بجرأة  وتلقي النور على مناطق مظلمة في الواقع المجتمعي، وعلى الأقليات خاصة. فتوجه عدستها نحو المسكوت عنه، وذلك في سياق التوجه الذي اختارته منذ البداية على حدّ قولها. 
بدأت المخرجة تتساؤلاتها حول ظاهرة "المابين" منذ أن تعرفت على أشخاص يعانون من هذه الثنائية، خلال تصويرها فيلم "في الظل". وكانت "أمينة" أحدى الشخصيات الحقيقية التي ساعدت المخرجة وكذلك صاحبة دور "شمس" في التعرف على الشخصية في جميع تجلياتها وفي معاناتها النفسية والمجتمعية.
إن ظاهرة "المابين" هي ظاهرة طبيعية بيولوجية، غير أن عملية تقبلها مجتمعيا مازالت تعاني من عقد متوارثة كرسها المجتمع ومنظومة القيم المهترئة. ركزت منى حفيظ على البنى الهشة النفسية والاجتماعية التي تحول دون التقبل السليم والواعي لها. وقد نجحت في هذا الطرح وفق جمالية فنية معتبرة دون الوقوع في الاستسهال.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية رئيسة "شمس" (اسم يطلق على الأنثى والذكر)، تشتغل بالحياكة تعيش مع امها واختها المعاقة بعيدا عن أنظار الناس بعد غياب الأب، عند ولادة "شمس" بتشوه خلقي. تعيش "شمس" هذا الصراع بين الجنسين هرمونيا ونفسيا وبينها وبين نفسها، قبل افتضاح أمرها في الحي الذي تقطنه. تعيش مخاض هويتها أمام تعلّقها بحبيبها البحار ورغبته في الزواج منها، تنهرها أمها ثم تتوالى الأحداث ضدها حتى يكشف عبد القادر زوج صديقتها أمرها عبر وشاية من أحد العمال في ورشته. ترتحل "شمس" إلى العاصمة، الى بيت  توفيق، ابن عم حبيب المتصوف، تتعرض الى صعوبات في العثور على عمل، تقص شعرها، تتخلى عن العلاج الهرموني، محاولة أن تُقنع نفسها بتقبل ذاتها، لكنها تفشل وتظل متمزقة بين هويتين، طبيعتين، جنسين، وميولين.  
استعانت ندى مازني حفيظ بالمقاربة الصوفية، إلى جانب المقاربة النفسية في بناء المشهديات المتعلقة بمعاناة شمس، وصورت الشخصية مراوحة بين حالتين، للتركيز على التمزق الثنائي الذي يتمطط في الزمن وفي الذات، ليدفع بالشخصية الى حالات اكتئاب وقلق ونفور من الحياة قد يصل إلى التفكير في الموت. ربما كانت العودة الى الحلول الصوفية هي مقترح جمالي وفني إلى جانب كونه مقترح علاجي، يشجع على العودة إلى ماهو روحاني وأصلي في الذات، وقبول الأنا والآخر رغم الاختلافات والانقسامات. لذلك جمعت "الحضرة" كل الاختلافات والشخصيات وسط انتشاء راقص.
أما الهروب للبحر، فهو نهاية منفتحة على قراءات متعددة، تتعو المشاهد إلى التفكير في النهاية، فقد احترمت المخرجة خيال المشاهد وورطته في تصور النهاية كما يراها، وذلك ضرب من علامات تحسيسه بالمسؤولية، ودعوته الى التفكير، فيما يحدث وفيما حدث. 
 تقول المخرجة  أنها من خلال هذا المشروع السينمائي، حاولت "الكشف عن "المابين" بين جنسين، بين حبين، بين خيارين" ولكنها كذلك تجرنا إلى التساؤل " هل نحن قادرون فعلا على الاختيار"؟  يظل الفيلم دعوة للتفكير والتأمل ومساءلة الأحكام والمصادرات الأخلاقية والاجتماعية فيما يخص الهوية الجندرية والثنائية الجنسية. 
أدت دور "شمس" أمينـة بـن اسـماعيل ممثلـة،  إلى جانب فاطمة بن سعيدان،  أيمن بن حميدة ، سناء بالشيخ بالعربي، محمد مراد، المسرحي فتحي العكاري (في دور المتصوّف)، محمد الداهش.
 منتج الفيلم هو سليم حفيظ، المنتج المنفذ: زياد حمزة. مدير التصوير: محمد المغراوي. قامت بالمونتاج،  نورة النفزي وتركيب الصوت  سامي الغربي. 
*ناقدة واكاديمية تونسية.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون