في كارلوفي فاري الــ٥٧ : السينما العربية تنهض مجدداً.
2023 ,04 تموز
د. أمــل الجمل :صوت العرب – كارلوفي فاري.
قبل أن يبدأ تقديم فريق عمل الفيلم بنحو عشر دقائق دلف بهدوئه المعتاد إلي القاعة، وظل واقفاً بجوار الحائط في حالة ترقب، في ذلك المكان الذي عادة ما يتوقف فيه المدير الفني للمهرجان بعد تقديم كل فيلم. شعرت كأنه يترقب لحظة ميلاد أحد أبنائه. قبل عامين أجريت معه حواراً عن دوره في هذا المهرجان الأهم في شرق ووسط أوروبا، خصوصاً أن كثيرين يعتبرونه عينا حساسة وذات مصداقية بشأن السينما العربية، إذ ينقل لهم نبضها. يومها حين سألته عن طموحه حدثني قائلا: « أكثر حاجة مهمة لي كمبرمج، أكثر شيء له جاذبية في البرمجة أنني أثناء تقديم فيلمي للعالم أشعر كأنه طفلي - ماي بيبي - فإما أن يقبلوه أو يرفضوه، مع ذلك نحن مهتمين وراغبين في أن نعطي للعالم أطفالاً بأكبر قدر ممكن ونتمني أن الناس تتقبلهم.»
أتحدث عن المصري جوزيف فهيم أثناء حضوره عرض الفيلم اللبناني «الرقص على حافة البركان». جوزيف يمارس الكتابة عن الأفلام، والبرمجة لعدد من المهرجانات في مقدمتها مهرجان كارلوفي فاري. كذلك يعمل مستشاراً لبعض صناع الأفلام، وفي مجال الإنتاج. من يتتبع بعيونه اللقاءات وإن كانت سريعة بين جوزيف وكارل أوخ المدير الفني للمهرجان يُدرك بإحساسه، سواء من الإيماءة الجسدية، أو تبادل النظرات والهمسات أثناء الحوارات بينهما أنه قد تم بناء علاقة تصطبغ بالثقة الكبيرة بينه وبين إدارة مهرجان كارلوفي فاري، وهو نفسه يعترف بأنهم عائلته، وبأنه يعتبر كارل أوخ أحد أعز أصدقائه، مؤكداً أنه يستمتع بالعمل معه رغم الاختلاف أحياناً حول بعض الأفلام. 
مساء يوم الأثنين الموافق ٣ يوليو كان العرض الأول لجمهور كارلوفي فاري لفيلم «الرقص على حافة البركان» في القاعة الكبيرة بفندق ثيرمال. وطوال تقديم فريق العمل وحتى بعد بداية العرض ظل جوزيف واقفاً على قدميه كأنه لا يستطيع أن يجلس حتي ينتهي الفيلم ويرى رد فعل الجمهور تجاه طفله أو مولوده الجديد. وقد كان، فقد تعالى التصفيق بشكل قوي مطولاً عقب عرض الفيلم رغم أن نحو خمسة متفرقين خرجوا من القاعة في منتصف الفيلم تقريباً. 
هنا، لابد من القول أن السينما العربية تنهض مجدداً في كارلوفي فاري خصوصاً في الدورة السابعة والخمسين الممتدة بين ٣٠ يونيو و٨ يوليو الجاري.. والحقيقة أن جوزيف له دور مهم في ذلك، رغم أنه بتواضع شديد يقول: «أعتقد أن كارل أوخ كان لديه هذه الرغبة حتي من قبل حضوري للمهرجان، أعتقد أنهم لهذا السبب اختاروني، لأنهم كانوا يريدون اكتشاف المنطقة العربية، والشرق الأوسط..»
إذن، حفنة من الأفلام العربية علي مستوى فني كبير يحتفي بها الجمهور التشيكي من بينها الفيلم اللبناني الذي قدم صورة وحالة سينمائية قوية ومؤلمة لبنان تجمع بين التاريخ والحاضر ومأساة هذا البلد، وذلك في مزيج يجمع بين الصدمة وقوة المشاعر، والبكاء والكوميدي أو بالأحرى الكوميديا السوداء،م وذلك. من خلال تصوير كواليس فيلم «كوستا برافا» للمخرجة مونيا عقل، والفيلم ينافس على الكرة الكريستال بقوة، حيث ستُحِّكم عليه سيدة الإنتاج القديرة التونسية درة بوشوشة مع باقي أعضاء لجان التحكيم.
كذلك، مثلاً المغربية الشابة المبدعة أسماء المدير كانت في حالة سعادة وانتشاء من رد فعل الجمهور التشيكي إزاء فيلمها «كذب أبيض»، قالت لي أثناء حواري معها بفندق ثيرمال حين سألتها: صحيح أن فيلمك بعد أن حصد العديد من الجوائز الدولية يُعرض هنا ضمن قسم «آفاق» الذي لايمنح جوائز.. لكني أعتقد أن جائزتك الأهم هنا هو الجمهور ذاته؟
فأجابتني أسماء والفرح يغمر روحها: «عقب العرض ظل الجمهور يصفق ويسأل، وحتى بعد أن خرجت من القاعة ظل عدد كبير منهم يحاوطني ويسأل وكأنهم لا يريدون أن يتركوني..» 
في رأيي الشخصي فيلم «كذب أبيض» عمل سينمائى بصري بامتياز، كثيرين حاولا تغليب الطابع السياسي للفيلم على الجوانب الفنية، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن صحيح بالفيلم طبقات سياسية تم مزجها بنعومة وذكاء شديد مع القصة الشخصية الفردية، مع ذلك تظل قوة الفيلم في أسلوب السرد والمقدرة الإبداعية للفتاة الشابة ذات الثانية والثلاثين على زن تخترع معادل بصرية مليء بالألوان والبهجة رغم مأساوية ما تحكي عنه. 
شاهدت أيضاً الفيلم الأردني «إن شاء لله ولد» للمخرج  أمجد الرشيد، فني رصيده فيلم قصير بعنوان «الببغاء» بطولة هند صبري. الفيلم مصنوع بمهارة، والسيناريو مقنع، واداء الشخصيات تلقائي، ويُضاف إلي رصيد السينما الأردنية. إنه شريط روائي عن اثنتين من النساء ضحايا المجتمع البطريركي، فالأولي البطلة الرئيسية يتوفى زوجها ثم تفاجأ بديون عليه ومساومات من شقيقه حتى تقوم الزوجة ببيع الشقة والسيارة لتقسيم هذه التركة بينها وبين أخواته، لأنها لم تنجب ولدا، وليس لديها أولاد سوى فتاة. 
إنه فيلم ينبش مجددا بقوة موضوع الميراث وقانون الوصاية، والتمييز بين النساء والرجال، والظلم الذي تتعرض له النساء، أما المرأة الثانية فدورها ثانوي لكنها تأكيد على نفس اللحن، وكأن المخرج أراد أن يقول أن اضطهاد النساء في مجتمع ذكوري لا يتقصر على لطبقة الفقيرة أو الوسطى ولكن أيضاً في العائلات الكبيرة الثرية.
«وداعاً جولياً» تجربة شائكة آخرى قادمة من السودان يقدمها المخرج الشاب محمد كردفاني في أولى تجاربه الروائية الطويلة، فيقدم نفسه كمخرج لديه أسلوبه الخاص في سرد حكاية سينمائية قد تبدو بسيطة لكنها محملة بالتعقيدات والطبقات التي تؤكد على الكارثة التي يعيشها السودان، وهو يستحق مقالاً كاملاً. خصوصاً أنه تجربة لها خصوصيتها أيضاً في الإنتاج المشترك. 
لازال هناك في مهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين عدداً من الأفلام العربية التي سأكتب عنها في الأيام القليلة القادمة، ومنها فيلم افتتاح هذه الدورة «الجمرة» وهو دراما تاريخية من توقيع المخرج البرازيلي من أصول جزائرية كريم عينوز. ثم فيلم المغربية صوفيا علوي، إضافة إلي عدد آخر من الأفلام شاركت قطر في إنتاجها. بالطبع إلي جانب أفلام المسابقتين الرسمية وبروكسيما، ثم عدد آخر من الأفلام التشيكية التي تأخذنا في سرداب التاريخ والمجتمع. 
 
 
  
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون