جوني ديب والرجل السندريلا في افتتاح مهرجان كارلوفي فاري ال٥٧ .
2023 ,02 تموز
الجمهور الكبير لمهرجان كارلوفي فاري
د. أمــل الجمل :صوت العرب –كارلوفي فاري.
يشتهر مهرجان كارلوفي فاري بميزات عديدة من أبرزها الجمهور الذي لن تجده في أي مكان آخر في العالم، وذلك بشهادة نجوم كبار. أيضاً المقاطع السينمائية التي يُصورها ويصنعها المهرجان خصيصاً  لنفسه ويقوم ببطولتها نجومه المكرمين ملمح مميز جداً له وجزء من هويته الأصيله. 
المدهش هذا العام هو عودة وجه جوني ديب للمهرجان من خلال مقطع مصور خصيصاً من بطولته قام بإخراجه التشيكي إيفان زكريا - وهو مخرج إعلانات نال جوائز دوليه مرموقه - وتم عرضه الأول ليلة الافتتاح بالقاعة الكبرى للمهرجان، مثلما عرض على منصة المهرجان فشاهده الجميع على أجهزة الموبايل والكومبيوتر، 
جوني ديب استضافه المهرجان قبل عامين، وعرض له فيلمين مهمين من إنتاجه، أحدهما وثائقي والثاني روائي. وحينها تعرض المهرجان للهجوم بسبب دعوة ديب لأنها حين ذاك كان في خلاف مع طليقته وكانت المنظمات الحقوقية والنسوية تهاجمه، لكن المهرجان التشكي العريق أصر على قراره، وقد شهدت كاتبة هذه السطور بنفسها كيف استقبل الجمهور التشكي جوني ديب بالترحاب بشكل كبير جدا، مثلما يقول المدير التنفيذي للمهرجان كرستوفر موخا «شهد جوني ديب استقبالًا حارًا للغاية من الجمهور والمعجبين في كارلوفي فاري قبل عامين، وبسبب ذلك أصبح مؤيدًا كبيرًا لنا. لهذا السبب وافق على تصوير هذا المشهد السينمائي، على الرغم من أننا كنا مقيدين بجدول أعماله المزدحم. كان المشهد ناجحاً للغاية، وأعتقد أن جوني ديب سيعود إلى فاري شخصيًا ذات يوم». 
إذاً، هذا الاحتفاء وتلك المساندة الكبيرة التي قدمها مهرجان فاري له - والتي تؤكد انحياز منظموه للفن والإبداع وتنحية المسائل والخلافات الشخصية جانباً - يُفسر موافقة جوني ديب - وإن تدخل بعض الشيء في صياغة المشهد- الذي قام ببطولته بحيث يبدو على النقيض من كثير مما تم تصويره قبل ذلك. 
 
طوال الأعوام الماضية شهدنا نجوما كبار في مشاهد مثل هذه يُحطمون الجائزة - تمثال الكرة الكريستال الشهيرة لكارلوفي فاري، أو يُحاولون بيعه إذا احتاجو للأموال، أو حتى رهنه. نراه أحياناً متراكم عليه التراب وخيوط العنكبوت، وأحياناً يكون مصدرا للهب والتوهج. والحقيقة أنها جميعاً مقاطع سينمائية دوما مثيرة للإعجاب، وتجعل المشاهد ينطلق في الضحك. لكن المهم هو جرأة المهرجان في صناعة لقطات سينمائية تنهض فكرتها على السخرية من الجوائز، وكأنه ينحاز لفكرة الإبداع. 
مع الممثل والمنتج والموسيقي الأمريكي جوني ديب اختلف الأمر، فرغم أنه حائز على ثلاثة ترشيحات لجوائز الأوسكار، وجائزة غولدن غلوب وجوائز أخرى لا حصر لها، فقد ظهر بالمشهد بينما تحاوره صحفية تؤكد على أنها من أشد معجبيه لكنها مندهشة «لأن النجوم جميعهم الذين يأتون إلي المهرجان دوما يتم تكريمهم، بينما هو لا.» فيسألها: «حقاً؟!.» 
الرد الاستفهامي -المستنكر في نصه التحتي - تجعلنا نحن كمشاهدين نتساءل: أليست استضافته وعرض اثنين من أفلامه هو تكريم في حد ذاته، خصوصاً في ذلك التوقيت. لكن، الأمر المدهش والجميل في هذا المقطع، أن جوني ديب يستخرج لها تمثالاً مدعياً أنه تكريم حصل عليه من كارلوفي فاري، تتأمله الصحفية، تبحث عن اسمه على جسد التمثال فنكتشف معها أن جوني ديب زيف الأمر، وكتب اسمه على تمثال لم يحصل عليه. 
 
لاشك أن ذكاء منظمي المهرجان، أن قراراتهم التي تنهض على منطق الانحياز للسينما وفقط، والتنظيم الدقيق جدا، كل ذلك منح المهرجان العريق مصداقية وسمعة دولية مرموقة ولم يعد فقط المهرجان الأهم في وسط وشرق أوروبا، لهذا نجح في استحضار أبرز وأشهر النجوم، وهى أمور ساهمت في جلب أنظار العالم لهذه المدينة التشيكية التي تتوهج جميع أرجاءها بمظاهر الفن، فطوال الطريق الممتد بين جميع دور العرض السينمائي أثناء فترة انعقاد المهرجان ستجد احتفالاً بالموسيقى والغناء، والعروض الادائية، إضافة إلي برامج الطبخ، والمناقشات، والاستمتاع بالطقس والمشاهد التاريخية هناك، ستجد الكبير والصغير وذوي الهمم. ازدحام غير عادي تشهده كارلوفي فاري - تلك المدينة العلاجية الساحرة في جمهورية التشيك. 
تكريم الرجل السندريلا
شهد افتتاح هذه الدورة السابعة والخمسين تكريم راسل كرو الذي قدم العديد من الأعمال ومنها «العقل الجميل» و«الرجل السندريلا» و«المصارع» الذي نال عنه الأوسكار والذي قرر مخرجه ريدلي سكوت بتحقيق جزء ثان منه بعد 24 عامًا. 
كان التكريم بتمثال الكرة الكرستال الشهيرة، تلقاها من رئيس المهرجان ييري بارتوشكا  Jiří Bartoška. عن إنجاز العمر لمساهمته البارزة في السينما العالمية. وحول ذلك قال كرو أثناء الافتتاح: «رغم سعادتي بالتكريم وتقديري له، لكني هنا من أجل الحفل.» كان راسل كرو يعني بذلك الحفل الغنائي الذي قدمه للجمهور عقب حفل الافتتاح والذي استمر حتى الساعات الأولى من الصباح، مما جعله في اليوم التالي يتأخر على المؤتمر مع الصحفيين نحو نصف ساعة، لكنه أثناء تقديم فيلمه Master & Commander: The Far Side of the World - في القاعة الكبيرة في فندق ثيرمال التي امتلأت بالمتفرجين الذين جاؤوا لمشاهدة - قال: «الموسيقي مهمة جدا بالنسبة بشكل مرعب. إنها عملية إبداعية جذبتني منذ طفولتي. كتابة الأغاني تشبه إلى حد بعيد إنشاء شخصية جديدة لدور جديد.» مثلما فتح الرجل السندريلا الباب مجددا للحكي عن ذلك الفيلم المعروض بهذه الدورة من إنتاج عام ٢٠٠٣، إذ قال «الأستوديو قرر تقديم الفيلم آنذاك كفيلم أكشن لجذب مزيد من المشاهدين. لكن الأمر لا يتعلق بالحركة والإثارة، إنه قصيدة سينمائية تحكي عن الانضباط والحياة الصعبة للبحارة في الأوقات الصعبة».
أثناء المؤتمر الصحفي تحدث راسل كرو بأسلوب ذكي مدروس عن حياته المهنية في عالم التمثيل، ورغم أن بعض الصحفيين وضعوا علامات استفهام حول مسيرته الموازية كموسيقي، في تلميح إلي عدم تميزها بعكس إنجازه في فنون الأداء، لكنه تجاوز كثير من الأشياء، وعاد للحديث عن الأفلام وتجربه مه ريدلي سكوت، ثم في النهاية أكد على أن مدينة كارلوفي فاري التي يُقام فيها المهرجان تركت لديه انطباعًا قويًا، قائلاً: «لا أعرف ما الذي كنت أتوقعه، لكن بالتأكيد لم يكن في خيالي هذه المدينة الرائعة ذات الهندسة المعمارية الخلابة. الآن أقول للجميع أنه يتوجب عليهم زيارة كارلوفي فاري.»
الحقيقة أن تكريم راسل كرو لم يقتصر على الجائزة والحفل الغنائي الذي قدمه، أو عرض فيلمه، لكن منصة المهرجان - والتي يتولى مسئولية إدارة المحتوى فيها كارل أوخ وهو نفسه المدير الفني للمهرجان - تقوم حالياً بعرض فيلم راسل كرو، رومبر ستومبر Romper Stomper  إنتاج عام ١٩٩٢. 
كلمة أخير عن هذه المنصة التي أسسها المهرجان قبل عامين، وتحقق طفرة كبيرة، فإلى جانب أنها تعرض أفلاماً مدفوعة الأجر، ذات محتوى متميز على مدار العام، تقوم ببث مباشر لجميع فعاليات وأنشطة المهرجان التشيكي العريق إذ أصبحت المحطة التليفزيونية الرسمية له، من هنا بسهولة يمكن لأي مشاهد متابعة ما وراء الكواليس في المهرجان، أو زيارة السجادة الحمراء، أو حضور أحداث مهمة أخرى عبر تلك المنصة. 
إذاً، تُعتبر المنصة امتداداً للمهرجان وداعماً له، إذ يقول منظموها: «الشغف السينما له عدة أشكال، النسخة عبر الإنترنت تسمى KVIFF.TV » أي »منصة مهرجان كارلوفي فاري»، أما عن السبب وراء إطلاقها وهل تكون بديل لقاعات السينما، فيجيب المنظمون: « نحب الأفلام حقًا وأجواء قاعات السينما المظلمة. على مدى سنوات عديدة من تنظيم مهرجان كارلوفي فاري السينمائي السنوي، لابد أننا رأينا وتحدثنا عن ألف فيلم، نحن نستمتع بعملنا أكثر فأكثر كل عام. لهذا السبب توصلنا إلى KVIFF.TV - لإتاحة محتوى سينمائي عالي الجودة لعشاق السينما على مدار العام، بغض النظر عن مكان وجودهم.» 
 
مع رئيس المهرجان بيري بارتوشكا
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون