الفيلم الإيراني “هذهِ المرأة تريد حقها” للمخرج محسن توكلي:حينما تحاول السينما النحت في ضمير المجتمع
2023 ,05 نيسان
 *حميد عقبي :صوت العرب – باريس.
لم تعد الشابة فرزانة عدتها لتحمل عذابات مؤلمة وربما لم نكن لنسمع بها، إلا أن القدر حضها بمآسي جسيمة فهي كانت كغيرها من الفتيات ستتزوج وتكون عائلة وتعيش كغيرها، بدأت محنتها بسبب بلطجي وقع في عشقها وكان يحاول لفت إنتباهها، تقدم لخطبتها فرفضه أبوها كونه لا يملك عملا شريفا ومعروفا بسمعته السيئة ولم يتحمل الاهانة، دفعه تهوره لعمل فوضى مما تسبب في سجنه وخلال وجودة بالسجن تزوجت الفتاة وأنجبت طفلة، شاهدها بهرام يوم خروجه من سجنه مع زوجها وطفلتها، في اليوم التالي شوه وجهها بمادة الأسيد الحارقة وهرب.
 فقدت المرأة كل شيء جمالها وعائلتها وشرفها، سافرت بعدها إلى طهران لمتابعة قضيتها، لحسن حضها تم القبض عليه وحكم عليه بالقصاص، رفضت فرزانة العفو وظلت مصرة على أخذ حقها.
المرأة بمجتمعاتنا الذكورية المتخمة بالقسوة
قصة تتعمق في مشكلة اجتماعية قد لا تخص ايران وحدها وتصور ما يمكن أن تتعرض له المرأة بمجتمعاتنا الذكورية المتخمة بالقسوة والعنف والتي تنتج ضحايا وتتحول حياتهم لتراجيديات مؤلمة وعند يتم القبض على الجناة ويقدمون لمحاكمات عادلة ويكون الحكم بالقصاص، هنا قد نسمع عشرات الأصوات يطالبون الضحية بالعفو والتنازل عن حقها ويتصورون أن القصاص قاسيا ومؤلما لكنهم لم يفكروا ويقيسوا الألم النفسي والأضرار الاجتماعية التي تتعرض لها أي فتاة أو امرأة، فهي الضحية مع ذلك يعاقبها المجتمع وتصبح سمعتها على كل لسان.
نجح محسن توكلي في رسم شخصياته والزج بها للدرك الأسفل من الألم، أغلب شخصياته نساء،أربع نساء معذبات يجتمعن في فيلم "توكلي"، ولدى كل وأحدة مخاوفها، "فرزانة" أكثرهن حرقة بعدما أصبح وجهها بشعا وفقدت عائلتها وخرجت من حياتهم للتفرغ لساعة القصاص.
 "سارة "زوجة الجاني تسعى أن تجد العفو له وتتحدث أنه يحبها وبذل كل شيء من أجل معالجتها من العقم، تلعب الأقدار لعبتها لنكتشف أن "فرزانة "تبيع بويضات عبر مركز العقم وأن "سارة "تلقحت أو تحمل من بويضاتها بمعنى أنها أم الجنين أيضا ،وأن المجرم الذي دمر حياتها سيصبح أب هذا الجنين، تكتشف هذه الحقيقة ومع ذلك تصمم على أخذ حقها بالقصاص.
"سحر" شابة وخريجة جامعية تشق حياتها كصحفية مبتدئة، يجمعها توكلي بفرزانة كشريكة معها بغرفتها، نشعر أن ورائها حكاية ما حيث أنها تحب شخصا تكتشف في الأخير أنه يستغلها ،كما أنها تكتشف قسوة العاصمة طهران حيث يوجد كل شيء لكن فرص شابة صحفية مبتدئة ليس سهلا، تظل حكاية سحر في مرتبة ثانوية ولم تهتم بها المعالجة السينمائية بشكل كان ربما أعطى مسارات مهمة للفيلم، وكذلك قصة "كوكب" التي تعمل بالفندق وهي مطلقة وهجرها ولدها لكنها يبدو استسلمت لقدرها ولا تبدو قصتها مثيرة فمجتمعاتنا تزخر بمئات من أمثالها ولا أحد يتعاطف معهن .
هدف فرزانة
تمسك المخرج بهدف فرزانة وأهمل نقاط كثيرة مكتفيا ببعض الأشارات بالحكايات الأخرى، لم يبالغ في الضغط على فرزانة، وكانت هنالك وسائل للضغط عليها أكثر، ربما وجد أن الجنين الذي تحمله سارة أحدى هذه الضغوطات ،لكنه تعامل معها بإنفعالية ،مع ذلك نجد أنفسنا فعلا نعيش محنة فرزانة النفسية والجسدية والاجتماعية.
 لم يقدم المخرج محسن توكلى القصة بشكل متسلسل ولم نقع في مواجهة مع هذا الألم إلا حينما رأينا جانبا من وجه فرزانة ،وتتصاعد الأحداث بشكل درامي لتزج بنا في قلب هذه التراجيديا.
لسنا هنا مع هاجس الإنتقام بقدر فقط أخذ الحق وهذا ما يشير إليه عنوان الفيلم “هذهِ المرأة تريد حقها” ،نعم حقها فقط، ومع ذلك فان الكل يحضها أن يكون قلبها كريما وتسامح إلى أخر لحظة ،ربما يأتينا الشعور أنه ستسامح ولن ترش المادة الحارقة على وجه "بهرام" في غرفة تنفيذ الحكم، لكنها فعلت ثم خلعت ورمت بالنقاب لتسير بوجهها المشوه كأنها تدين المجتمع أيضا فالحكم بالقصاص كان ضد الجاني الأول.
وتظهر فرزانة مبتسمة كأنها تسامحت وعفت عن المجتمع وهذه المشاهد بعد تنفيذ الحكم تمكن المخرج أن يوحي بشفاء بعض جروح فرزانة الداخلية وتسامحها مع المجتمع رسالة قوية يجب أن يسمعها ويشعر بها.
سارة كأن الحب والعشق أعمى بصرها وترى في بهرام الزوج الشهم والعاشق وعندما تعرف كل التفاصيل تظل تحاول البحث عن ذرائع وهي نموذجا اجتماعيا يوجد بكثرة والتي ترى أن أخطاء الرجال يمكن غفرانها مهما كانت جسيمة.
 هذا الفيلم كغيره من الأفلام الإيرانية التي تجتهد بالنحت في ضمير المجتمع الإيراني وكشف المستور والقضايا المسكوت عنها وتناول قضايا العنف ضد المرأة..
نحت في ضمير المجتمع
تؤكد أغلب الأفلام الإيرانية على قوة المرأة ،وتركز على قضايا شائكة وقد يكون لهن البطولة المطلقة كهذا الفيلم ولا تخضع معادلة الإنتاج على تقاسم البطولة سويا ،ولا نجد شروطا للنجوم بفرض مساحات طويله في مسار الفيلم، ولا يعتبرون الدور القصير إهانة لنجوميتهم ،لفهمهم أن ما يقدمونه فنا وإبداعا، الدور الصغير لا يعني عدم أهميته هنا الممثل قدم أجود ما عنده وخلق لنا بهرام البلطجي ثم بهرام ساعة تنفيذ القصاص حيث جعلنا نشعر برعشته ولكن الندم لا يعفي من القصاص.
قد لا تكن هنالك جماليات شعرية فائقة لكننا مع كادر وطاقم تمثيلي مبدع، الفيلم انتج 2016 وبميزانية ليست ضخمة ،وحصل على تصريح للعرض بدون صعوبات، ولعل مسائل التصاريح والمراجعات والرقابة تؤثر على المواد المنتجة لآن أي مخرج أمامه خيارات صعبة كالتضحية ببعض أفكاره وجزء من حكايته وبعض المجاملات للنظام ،أو سيجد نفسه ممنوعا عن العمل.
رغم بعض الملاحظات على هذا الفيلم إلا أنه يمرر أيضا أشياء عديدة ومهمة كما أنه يعكس الرغبة في عمل سينما ،وهكذا تتواصل الجهود وتنضج التجارب وتظهر أسماء مخرجين ومخرجات يحاولون بكل جهد لوضع أنفسهم ضمن خارطة الإبداع العالمي ويظل مثل هذا الفيلم مرحبا به في أوروبا حيث تتدفق الأفلام الإيرانية لشاشات العرض الفرنسية والأوروبية وتظل مواد خصبة للبحث والدراسة ،كذلك للمتعة بما تحمله من قضايا إنسانية يتم تناولها ببساطة وسلاسة دون التنازل عن اللغة السينمائية.
فيلم اجتماعي لا يعني الهدير  السردي الممل، لو تاملنا مشهد الجريمة المرعبة وعندما سقطت الضحية وتمد يدها وكانها تريد ان تحرث الارض ،او تتمسك بها ،لكن الرصيف صلب ويدها تظل تحاول الانغراس، نرى الضحية ملثمة حتى في المشاهد الداخلية وكل مرة يكون اللثام بلون مختلف ،وهنا اشارة ذكية ،فالشخصية تنوب عن كل ضحايا العنف والقسوة.
 كثيرة هي الاشارات والدلالات والتي تنزع الى اللغة السينمائية اكثر منها للنسق السردي.
*مخرج وناقد سينمائي يمني مقيم في باريس.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون