منال عبد القوي ترجُم الذكورية في "شروق مريم".
2023 ,03 تموز
لقطة من "شروق مريم".
صوت العرب: تونس.
 بين فاتحة يتراءى فيها جسد امرأة وهي تعانق الطين بكل مسامها وحواسها في إشارة للخلق وبين خاتمة تنتفض فيها على أعتاب قبر الماضي في إشارة للبعث تتجلى حياة امرأة تقمصتها الفنانة منال عبد القوي وهي ترجُم الذكورية على الركح.
“شروق مريم” اسم مركب لامرأة لم تختر بداياتها لكنها نسجت ملامح نهايتها، الإسم نفسه لنص للكاتب السعودي فهد ردة الحارثي قبل أن يتحول إلى عمل مسرحي صرخت فيه منال عبد القوي بأصوات كل النساء العربيات.
نص الكاتب السعودي شد إليه الفنانة منال عبد القوي منذ سنوات وهو يروي معاناة المرأة دون كليشيهات ودون مباشرتية ركيكة أو بكائيات مبالغ فيها، معاناة تتجاوز الزمان والمكان وتحيل إلى روايات كثيرة عن الذكورية والوصاية وأدران السلطة الأبوية.
على الركح انساب سرد سلس بعربية فصحى بسيطة تقطعها جمل بالعامية التونسية ولهجات أخرى عربية حتى غدت الخشبة فضاء رمزيا اجتمعت فيه كل النساء العربيات وتحدثت منال عبد القوي بلسانهن.
وفي هذا العمل المسرحي القائم على نص عمّده الكاتب فهد ردة الحارثي بالتمرد والثورة رغم نهايته الموشحة بالموت، نهاية تمردت عليها منال عبد القوي في الدراماتورجيا وألهمتها الشروق والإشراقة فلم تتوشح “شروق مريم” بالكفن بل قبرت فيه ماضيها.
“شروق مريم” هذا الاسم المركب الذي يروي انقسام المرأة بين ما تحبه وتبحث عنه، وبين ما يفرضه عليها المجتمع ويجبرها الأهل ولكنه في النهاية يحيل إلى الشروق بعد تلاشي الخيوط السوداء والانتفاض من رحم الرماد.
وعلى إيقاع الاسم تبدو كل الأحداث من حول الشخصية مركبة معقدة كلما أمسكت بخيط من خيوطها انفلت منها وتاهت وسط أكوام الوصايا والأطر والمسلمات والثوابت حتى تختنق وتضطرب أنفاسها لتحاكي إيقاع الطبل.
 
إيقاع الطبل من بين الأصوات المفاتيح في العرض فعلى نسقه كان عناق يدي “شروق مريم” والطين وحركاتها المتتالية وأنفاسها المبعثرة في محاكاة لمسارات الحياة التي لا تخلو من قسوة وألم وما يتلوهما من رفض وتمرد.
والطين في العرض ليس مجرد عنصر من عناصر السينوغرافيا بل هو محمل فلسفي يحيل إلى الخلق وإلى الأرض وإلى الشتات وإلى التشقق والهدم وإعادة البناء ، هو البدء والمنتهى.
الأواني الفخارية، الطاولة، الأحذية، الورود، الرداء الأبيض، عناصر سينوغرافية وظفتها منال عبد القوي في السرد وفي الإخراج الذي اتخذ أسلوبا بسيطا منسابا قطع الطريق على الملل.
الإضاءة التي أوجدتها زينب المرزوقي من بين العناصر اللافتة في العرض فهي تحتد وتخف على وتيرة الأحداث وتتبدى وتتخفى حسب سكنات الشخصية وحركاتها على الخشبة بل إنها أحيانا تستعير حضورها من اختلاجات روحها.
وفي العمل المسرحي الذي أنتجه مركز الفنون الركحية والدرامية بأريانة الذي يديره الفنان رمزي عزيّز بدت منال عبد القوي على الركح كفراشة تختال ببن الأزهار وهي تتنقل من مشهد إلى آخر ومن حالة ذهنية ونفسية إلى حالة أخرى.
قدرة لافتة على التأرجح بين الدراما والكوميديا وبين اللهجات التي اقتبستها من البلدان العربية وبين الغناء والرقص والتمثيل في توليفة متفردة نسجت تفاصيلها بإتقان وسط حضور مدير الممثل حمزة الورتتاني.
البطرياركية والتقاليد البالية ومؤسسة الزواج  والوصوم التي يرشق بها المجتمع المرأة والذكورية وأثرها في النساء والرجال وكل العلل التي تسربت إلى أرواح النساء جمعتها في كفن كانوا يريدونها لها وقبرتها.
وعلى إيقاع دفن الماضي وأوجاعها تجاوزت المرأة على الخشبة أزمة منتصف العمر وزينتها بألوان الحياة، ألوان تحاكي تلوينات العرض المسرحي الذي كانت فيه الموسيقى صارخة الحضور من خلال صوت الفنان المسرحي الجمعي العماري والفنان بلقاسم بوقنة وغيرها من الأغاني.
حضور الأغاني في العرض المسرحي حملها إلى مساحة أخرى خاصة وكلماتها تتواءم مع مغزى النص وتترجم مسارات الشخصية وهواجسها وتحلق في فضاءات عربية مختلفة تماما كزيّ منال عبد القوي الذي يستمد تفاصيله من أزياء عربية كثيرة وكرقصاتها التي تقتبس من خطوات مغاربية وعربية…
"يسرى شيخاوي".
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون