حوار مع الكوريغرافي محمد المقايسي حول عرض "ديهيا" من المغرب.
2023 ,20 حزيران
الكوريغرافي المغربي محمد المقايسي
"ديهيا" جدل مع  الارث التاريخي، القيمي والموسيقي لأجل فهم أعمق للمرأة والحياة 
 *د فوزية ضيف الله:صوت العرب – تونس.
يتميز الكوريغرافي المغربي محمد المقايسي (Mohamed lamqayssi) بمواهب عديدة: فهو كوريغرافي ،ملحّن ومختصّ في فنّ الفيديو. بدأ  التدرب على الرقص سنة 2015 مع فرقة "أنانيا" التي تقع في مراكش لتوفيق إزديو. وبعد عدة تربصات واقامات فنية في المغرب وفي الخارج، أنتج محمد المقايسي فيلمه المنفرد "نفس" سنة 2°15/ ثم طوّره سنة 2018 بالتعاون مع الكاتبة والتشكيلية "هان فان دبك". شارك في عدة عروض كوريغرافية  عالمية: مع رضوان مريزيقة، توفيق إزديو، هالة فطومي/و إريك لامورو. انضم سنة 2022 إلى أنجيلا فانيوني في الإدارة الفنية لشركة آد فونس.  
"ديهيا " (DIHIA) عرض كوريغرافي  يسترجع ذكرى الملكة الأمازيغية "ديهيا" التي نجحت في توحيد قبائل شمال افريقيا. ولكنه يهتم  على وجه التحديد بحدث هزيمة الكاهنة أمام جيش حسان بن النعمان بعد خمس سنوات من المقاومة والصمود. وقد اختار الكوريغرافي محمد القاسمي التركيز على هذا الحدث التاريخي لأنه كان نقطة تحوّل جذري في تاريخ العرب. فقد آل القضاء على هذه الملكة المحاربة الشرسة إلى نهاية حقبة ساد فيها النظام الأمومي مقابل فسح المجال أمام صعود السلطة الأبوية العربية الاسلامية. وهو نظام  لا يزال قائما رغم تحيّزه ورغم قيامه على الكثير من التظليلات. طرح هذا العرض قيم التضحية والحرية والحب، في محاولة تخيّل حقائق مختلفة وسيناريوهات أخرى. 
عرض "ديهيا": كوريغرافيا وموسيقى محمد المقايسي، أداء شروق المهاتي، إضاءة إيفان ماتيس، أزياء نزهة سمالي، إنتاج شركة أدفونس، ومدته 50 دقيقة. 
مرحبا بك قي الدورة الخامسة لأيام قرطاج الكوريغرافية. قدمت عرض" ديهيا " مستلزمات قصة الملكة  الأمازيغية الكاهنة. فهل هذه لهذه العودة للتاريخ  رهانات  فكرية أخرى  إلى جانب الرهانات الجمالية؟
إن العودة لهذه الحقبة التاريخية هي بالدرجة الأولى عودة ذات رهانات فكرية، سياسية  اجتماعية، أما الجانب الجمالي فإنه يأتي في آخر مرحلة لوضع كل هذه التساؤلات  الرهانات في قالب يستطيع أولا مواكبة ما يروج في الساحة الفنية العالمية و ثانيا تقريب الموضوع أكثر من المتلقي.
تعتبر "ديهيا" نقطة تحول  في تاريخ العرب، فهل تحاول تأويلها  والجدل معها حول ما يحدث الآن؟
-عاصرت الملكة "ديهيا" نقطة تحول مهمة جدا في تاريخ منطقة شمال إفريقيا التي كانت محطة عبور وتلاقح العديد من الحضارات وكانت رمزا للتنوعات العقدية، الدينية، العرقية، اللغوية وكذلك القانونية والحقوقية وكل ما يخص أساليب العيش، حيث كان للقبائل خاصيات معينة تأخد بعين الاعتبار تقاليدها وعاداتها، ثم كان الصدام عند وصول الأمويين للمنطقة والذين اعتمدوا أسلوب الوحدة في كل هاته الأشياء اعتمادا على تأويلاتهم حينذاك للقرآن والسُنّة، هذا التغيير طمس قسرا جزء ضخم جدا من هوية سكان المنطقة الأصليين، ليعيشوا بعد ذلك وربما إلى اليوم أزمة هوية خلقت صراعات وتخلف في القيم العامة والحقوق خاصة حقوق المرآة.
-يتضمن العمل عناصر سينوغرافية  عديدة،  فهل كلها ترمز الى دلالات  أم أن البعض منها   جمالي  فحسب؟
لكل العناصر السينوغرافية دلالات مفتوحة القراءة، فالشكل الهندسي المثلث الذي تدور فيه أحداث العرض يرمز من بين ما يرمز إليه إلى الصلابة و الثبات، إلى العناصر الأربعة في الكيمياء الأساسية و التي هي أصل الأشياء، إلى التوازن، إلى الأنوثة... إلخ
-استعملت الحزام المعتمد في الرقص، وحولت  وظيفته  بل جعلت له سياقات  استعمال  مختلفة..ونحن نعلم أن الحزام  يظل على الرقص،  فهل تقصد بذلك  أن الرقص يجب أم يحتل عدة مجالات  ويفرض  نفسه بقوة  ويخرج عن القوقعة  التي حبس فيها؟
- قراءتك لرمزية استعمال حزام  الرقص متميزة و جميلة، هذا الأكسسوار الذي ارتبط استعماله ب"الشيخات" ( الراقصات والمغنيات الشعبية في المغرب)، كان لابد له من التواجد في العرض للدلالة على المكانة القوية التي حضيت بها هاته النساء في المجتمع والدور المهم الذي لعبنه للحفاظ على الموروث الفني و الثقافي بالرغم من التحقير والنظرة الدونية التي تعرضن لها خلال فترات طويلة... هذا الحزام بالتالي يرصد هاته الثنائية في التأويل مابين الرقي و الوعي الفني الذي حملته ودافعت عنه النساء ثم أداة الاستصغار التي كان ينظر بها إليها المجتمع الأبوي..
- يحتاج الكوريغرافي  كمخرج وكراقص أيضا  الى فهم فلسفي  واطّلاعات  فكرية، فماهي التوجيهات الفكرية التي تأثرت  بها؟
- يصعب حصر التأثيرات الفكرية في جواب بسيط، لقد مررت بمحطات عديدة تغيرت فيها رؤيتي و فهمي للأشياء، اليوم أمزج بين مجموعة أفكار من مدارس و تيارات فكرية و فلسفية مختلفة، لكن كلها تحت إطار المنهج العلمي التجريبي و التفكير النقدي.
-راوح العرض بين الرقص المعاصر  والإيحاء الجسدي، على أنغام بربرية  من منطقة  ورزازات. هل ثمة ضرب من الرغبة في تحرير الجسد، رغم هذا الامتداد الايقاعي  الراسخ  في القدم؟؟
- بالنسبة لي، كان المجتمع الأمازيغي نموذج تقدمي سابق جدا لعصره، لقد كان أجدادنا في المنطقة يعيشون بقوانين تراعي حقوق الجميع و تقدس الإنسان و حريته، و هي أشياء نطمح لها و نحلم بها اليوم بعد مرور أزيد من 7 قرون.. و نسير في طريقها، بالتالي فمستقبلنا هو مجرد ماضينا ( من هاته الناحية الحقوقية و القانونية طبعا ) من هنا هاته الازدواجية بين تحرر الجسد و عراقة الأهازيج.
ثمة لحظات من العرض، تكاد تكون  لها غاية تطهيرية، كاترزيس  للنفس، وللجمهور.  فهل ثمة نفس  صوفي  مختبىء  في طيات  هذا العرض؟؟
- أينما تكون هناك أحاسيس صادقة، و إيمان بالطرح، و تسليم كامل لطاقة الصورة و الصوت، و حضور كامل في المكان و الزمان... فذلك مظهر من مظاهر التصوف.. 
تبدو الرقص والوحشية..ملمحان متناقضان  لديهيا،  ولكنهما  أيضا  ملمحان  للانسان، متى يتحرر  الرقص  من التفكير  في الثنائيات  التي مزقت  الإنسان؟ ألا يبدو أن الافكار المثالية والنظريات  الاخلاقية  قد سجنت الجسد،  وهو آلان في رحلة التحرر. فهل تتصور الرقص العربي  قد تحرر  فعلا؟
_ لا أظن أن الثنائيات تمزق الإنسان، بل الرغبة في التخلص من الثنائية هو من يفعل ذلك، لأن تقبل الثنائية و العيش معها يحقق انسجام و توازن !  فبين الحركة والسكون، الضوء والظل، البرد و الحر الى غير ذلك، فالكون مبني على الثنائيات، الإنسان وحده من يرغب في العكس، ليصير حبيس أفكار و نظريات تحد من حريته أكثر مما تدعمها.
الرقص في المجتمعات العربية و المجتمعات الأمازيغية الناطقة بالعربية في الوقت الراهن هو مرتبط بطريقة مباشرة بالنظرة العامة لهاته المجتمع للجسد والاعتقادات التي تحكمه وتقيده.
لا يمكن الحديث عن تحرير الرقص ما لم نحرر الجسد و نظرتنا إليه أولا.. و في الوقت ذاته فإن للراقص دور مهم في هذا التحرير من خلال إبداع يفتح تساؤلات، نقاشات، شكوك، و حتى صدمات أحيانا ... 
كيف يمكن للرقص أن يغير  الطباع  البشرية، أليس له وظائف  تطبيبية  وعلاجية، لكن مازال  القليل فقط من يرقص...؟؟
_ الجميع يرقص، قليلون من يسثمرون في الرقص و نادرون اللذين يجعلون منه وسيلتهم الأولى للتعبير ..  نتفق جميعا أن الأطفال في سن صغير جدا يرقصون بطريقة فطرية عند سماع ايقاعات موسيقية، و أول طرق تعبيرهم تكون بالجسد قبل تكوين القدرة على النطق بالحروف و الكلمات.. أ ليس لهذا سبب ما يجعلنا نتدبر فيه ؟
 
*أكاديمية وناقدة  تونسية.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون