الشاعرة إيمان موصللي :ما أبعد الشعر الحقيقي عن المباشرة.
2025 ,25 شباط
أمينة عباس: صوت العرب- دمشق.
أدباء كثر كان الشعر محطتهم الأولى، وسرعان ما تخلوا عنه باتجاه القصة أو الرواية، أما الشاعرة السورية إيمان موصللي التي اختبرت أنواعاً أدبية متعددة في مسيرتها فيبدو أنها حسمت أمرها في خياراتها بإصدار مجموعتها الثالثة "تاء التأنيث الثائرة" ليتضح لدى من يتابعها أن كتابة الشعر بالنسبة لها حاجة ملحّة وهدفها الأسمى وطموحها الأكبر وحالة مزمنة تعشق أطوارها ويسحرها عالمه المدهش، ومع هذا فهي لا تجد ضيراً من كتابة الرواية أو القصة، ولها تجربة فيها نالت عليها جائزة، ولكنها كما تؤكد في حواري معها: "يبقى الشعر شغفي الأول والأخير".
*كيف تقيّمين اليوم مسيرتك الشعرية من خلال مجموعتك "تاء التأنيث الثائرة"؟
**مع هذه المجموعة أصبحتُ أكثر نضجاً وعمقاً في تناول مواضيع القصائد، وصارت الرؤية أكثر اتساعاً بما يجول بداخلي وما يدور حولي من تفاصيل صرتُ أراها وأتأملها ببعد آخر، ويبقى القاسم المشترك بين المجموعات كلها هو الأسلوب وطريقة التعاطي مع اللغة، مع بعض التطور في محاولة إغناء المفردات وكشف وجوه جديدة لها لم تكن ظاهرة لي قبلاً، إلى جانب وجود نَفَس فلسفي أعمق وخروج واضح من الذات إلى الغير، مع عدم إغفال الإحساس الشعري المتصاعد ومحاولة ابتكار صور مختلفة وغير متداولة، فأنا دائمة البحث عن التفرد في رسم الصورة الشعرية، وتعلمتُ مما سبق أن التكثيف والبعد عن الحشو هو ما يميز قصيدة النثر التي أكتبها.
*تحرصين عادةً على الاحتفاء بما تُصدرينه، فما أهمية هذا الأمر بالنسبة لك؟
**كي يرى ما أكتبه الضوء ويكون في متناول النقاد والقراء والأدباء مما يثري تجربتي سواء من نقد بنّاء أو ملاحظات هادفة.
*وهل تعامل النقد مع كتاباتك بما يخدمها ويرتقي بها؟
**النقد الذي وجّه لنصوصي ساهم في تطورها وإثراء تربتها، ولكن ما عانيتُه كما عاناه غيري هو الإشكال حول قصيدة النثر والذي يستمر حتى هذه اللحظة بلا كلل ولا ملل، فهي عرضة للهجوم، مع بعض الاستثناءات من الداعمين لها والمنافحين عنها، وأكثرهم من شعراء الموزون كما أراه من تجربتي الشخصية، فمن نقد تجربتي وأجرى دراسة عن دواويني غالبيتهم من شعراء العمود، وهذا شي يدعوني للفخر.
*بماذا تجيبين على تساؤلات الشاعرة سعاد الصباح حين قالت: "هل تستطيع امرأة مقيمة في مدن الغبار أن تتحدى مرة واحدة سلطةَ شهريار وتكتبَ الشعرَ على دفاتر من نار؟".
**ما كتبتْه سعاد الصباح محرّض، وأكثر ما حرّضني على كتابة الشعر هو إشعال الكلمة على يد وقلم أنثى وبإحساس أنثى، وبهذا أنفض الغبار عن كل المفاهيم الجاهزة مسبقاً، وأعطي شهريار مجد قراءة المرأة وهو يمسك يدها ويساندها، فالشعر كشف عنها غطاء العادات البالية مع احترام العادات المناصرة للمرأة والحفاظ على الأخلاق التي يجب أن تكون بوصلة أي عمل أدبي أو انساني.
*ولكن هل تستطيع الشاعرة أن تترجم مقولة "يحق للشاعر ما لا يحق لغيره" في الشعر؟ 
**هناك سقف للحرية لكل ما نمارسه، وهذا السقف يصون المعنى في الشعر ولا يأخذنا نحو متاهات نحن بغنى عنها، والجرأة حرية واجبة، ولكن لغرض مدروس وليست لمجرد الجرأة بحد ذاتها، فأنا أستطيع أن أكتب الشعر دون أن أخدش الحياء أو أتجاوزه، وهذه مهارة الشاعرة بشكل خاص، أما الجنون الذي يمارسه الشعراء عادةً في كتاباتهم فهو سمتهم، والقصيدة بالنسية لي يجب أن لا تخلو من شرارة الجنون، فطالما لدي قاموس الدهشة وهبة اللغة التي تخلق لي أجنحة فأنا دائمة التحليق والتخلي عن كل ما هو معتاد ومألوف، وهذا أكثر ما يحتاجه الجنون والشعر".
*وماذا عن المباشرة في الشعر؟ وكيف تحصّنين نفسك من عدم الوقوع في هذا المطب؟
**ما أبعد الشعر الحقيقي عن المباشرة، والمباشرة في الشعر تجني عليه، وقصيدة النثر أكثر ما يميزها الغموض المدروس وعدم التوغل فيه بشكل يصبح به النص مبهماً وغير مفهوم، وعلى القصيدة أن تضع المتلقي في حيرة تارة ودهشة تارة أخرى بحيث تثري خياله وتورطه في القصيدة كما تورط شاعرها، وبرأيي ليس هناك حاجة للمباشرة سوى لغرض تعليمي فقط.
*لكل شاعر شيفرة خاصة للوصول إلى قلب القارئ والمتلقي، فهل لديك مثل هذه الشيفرة؟
**حسب ما أسمع من رأي القراء دائماً ما تلفتهم صوري الشعرية، وهذا يضعني في حرج مع القصيدة، إذ يجب أن أبتكر وأجازف وأطوّع الكلمة لأرضي الغاية، وهذا يحتاج عصفاً ذهنياً وثقافة عالية وقراءة مكثفة وطريقاً طويلاً في سبيل أن تبقى لي هذه الشيفرة أو البصمة الخاصة بي".
*متى تصبح اللغة عند الشاعر غاية بحد ذاتها؟ وما تأثير ذلك على ما يكتبه الشاعر؟
**اللغة هي جسد القصيدة، ويجب أن يكون هذا الجسد بصحة جيدة ورشاقة ملفتة، لذا على الشاعر أن يتقن نحته بمهارة ودراية، لكن اللغة ليست استعراضاً بل هي وسيلة ليصل مراد المعنى أو الصورة عند الشاعر بأبهى حلة.
*ما بين الشعر الموزون وقصيدة النثر لمن تميلين أكثر؟ ولماذا؟
**أحب كلّ أجناس الشعر التي تلامس روحي وتغوي ذائقتي، وقد جرّبتُ كتابة الشعر الموزون وكانت تجربة غير مميزة، أما في كتابة قصيدة النثر فقد وجدتُ نفسي مطواعة لها، وشغفي بها يضعها في المقام الأول بالنسبة لي مع احترامي للموزون والتفعيلة، فهي محلّقة ومجنّحة وثائرة وتائهة ومتمردة على كل ما حولها، لذلك تراها المرأة الشاعرة فسحة لها لتروض ما حولها وتطوع ما لها بنص ينثر عطرها بعشوائية وسحر، ولكن يجب أن أقول أن هناك شعراء نثر لا يُشقّ لهم غبار، وأنا أعتبرهم قدوة لي في رحلتي الشعرية.
*الشاعر ابن بيئته، فكيف أثّرت البيئة على ما تكتبينه؟
**الشاعر ابن بيئته التي  يتأثر بها، لكن الفارق بينه وبين غيره هو أن له عالماً متخيلاً خاصاً به يحوّل ما حوله إلى طيور وفراشات ومخلوقات نادرة، وأحياناً يشعل النار ولا يخمدها، فأنا أتناول المحيط الذي تقع عليه عيني بغاية أخرى وكأنني أصنعه على مزاجي ولكن بهويتي وهوية ما عرفتُه منذ طفولتي وحتى اللحظة.
*كيف تنظرين إلى مهمة الشاعر اليوم؟
**كان للشاعر مكانة اجتماعية وسياسية تمكّنه من التعبير عن الأمة بشكل واثق ومدعوم ممن حوله، أما في وقتنا الحالي فالشاعر له مهمة أصعب، إذ عليه رغم البيئة الثقافية التي ضجت بالكثير من الأحداث والظروف الصعبة أن يعبّر عن حال الوجع والتعب والفرح للإنسان بشكل عام ولوطنه بشكل خاص، ولكن على طريقته الخاصة وبإصرار منه لأن تصل كلمته وتلقى أثرها الواضح.
يُذكر أن الشاعرة إيمان موصللي حاصلة على إجازة في الأدب الإنكليزي، وتعمل في مجال التدريس، وأنجزت ثلاث مجموعات شعرية، الأولى "قلبي المغفور له" والثانية "كريستال" والثالثة "تاء التأنيث الثائرة" حاصلة على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة المنظَّمة من قبل نقابة المعلمين عام  2022 وهي عضو اتحاد الكتاب العرب -سورية.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون