أمينة عباس: صوت العرب- دمشق.
أدخل الشاعر يزن عيسى الفرحَ إلى قلوب السوريين بحصوله على الجائزة الثالثة في مسابقة أمير الشعراء في دورتها الـ 11 لهذا العام والتي تنظمها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبو ظبي بعد أن استطاع أن يحقق حضوراً ملفتاً في جميع مراحل المسابقة وقد منحتْه اللجنة في المرحلة النهائية أعلى درجة بين الشعراء العرب المشاركين، إلا أنّ تعذّر التصويت من سوريا أثّر في ترتيبه النهائي ليكون السوري الوحيد الذي تأهل للنهائيات منذ أن أحرز الشاعر حسن بعيتي لقب أمير الشعراء عام 2009 .. حاورناه في أول لقاء إعلامي له بعد الفوز وجاء فيه:
*لنتحدث عن تجربتك في برنامج "أمير الشعراء" وما هي أصعب المراحل فيها؟ ولماذا؟
**أعتقد أن برنامج "أمير الشعراء" هو المحطة الأهم في مسيرة كل شاعر حظي بالوصول إلى مراحل متقدّمة فيه، فهو تجربة فريدة من نوعها تقدّم الشعراء، الشباب منهم على وجه الخصوص، إلى العالم العربي من أوسع الأبواب.. وأصعب مرحلة من وجهة نظري كانت مرحلة الـ 15 شاعراً، إذ كان يتطلب الأمر حصد بطاقة لجنة واحدة من بين خمسة شعراء يقدم كل منهم مستوى عالياً ينعكس هذا التنافس على اختيار النص وأسلوب تقديمه، وأرجو أن أكون قد وفّقتُ في ما قدمت.
*قبل وبعد هذه الجائزة ماذا تغير فيك كشاعر حول مفهوم الشعر؟
**البرنامج يحتفي بالتنوع ويقدّم مدارس واتجاهات شعرية مختلفة وفق قراءات نقدية لافتة.. إذاً هو لا يفتح لنا آفاق الوعي النقدي والجمالي إزاء نصوصنا وحسب، وإنّما أيضاً يؤسس لإبداع جوهره الاختلاف، فالشعراء هنا وجوه أخرى للشاعر، ومن خلالهم يستكشف إمكاناته وآفاقه المجهولة.. وبالنسبة لي أرى الشعر الآن من منظور أكثر اتساعاً وجديّة في التعامل مع النص ومع كل ما يرتبط بفعلَي الإنتاج والتلقي.
*يقول جان كوكتو: "الشعر ضرورة آه لو أعرف" متى شعرتَ أن الشعر أصبح ضرورة بالنسبة لك؟
**الشعر ضرورة وكان كذلك منذ البداية وأرى أننا نولد بطبائع خاصة تعرّف علاقتنا بالأشياء وتقتضي اتخاذ موقف خاص بأدوات خاصة.. بالنسبة لي كانت الأداة الأولى هي اللغة الشعرية لا لغة الشعر العربي وحسب، بل أعني هنا كل لغة تحمل طاقة كشف وتفوق اللغة العادية في التعبير عن الأشياء، وقد نجدها في أي شكل من أشكال الكتابة.. هذه هي اللغة الضرورة التي أبحث عنها في القراءة والكتابة على حد سواء.
*"كثر الشعراء وقلَّ الشعر".. هذا ما يردده البعض، فإذا كان ذلك صحيحاً ما هي الأسباب برأيك؟
**قد يصحّ هذا الكلام وفق ظرف ثقافي ما، غير أن الحديث عن الشعر يعني الخروج من السياقات كلها، فالزمن يقطف الشعر كما يقطف الطفل الورود ويجمعها في سلّة الخلود.. نحن نقرأ اليوم نخبة الأعمال التي كُتبت عبر التاريخ ونحتفي بها، ولا شك أن كثيراً من الأعمال بالمقابل قد أسقطها الزمن ولم تصلنا، وهذا كل ما يهمّ.
*يمارس الشعر غوايته على الجميع، وكثيرون بدأوا بكتابة الشعر ولكن قلائل من تابع في هذا الطريق فما تفسيرك لهذا؟
**دائماً ما يرد هذا النقاش بيني وبين أصدقاء، حيث نرى في فعل الكتابة الشعرية أصعب الأفعال على الإطلاق، إذ يبدأ التجلي الأول مع اللغة التي نتحدث بها جميعاً، ثم يرتفع إلى مستوى الموسيقى الشعرية، ثم إلى التصوير والمعنى، ثمّ يصل إلى مرحلة معقدة، إذ تكون معطيات كتابة النص كثيرة وبالغة الحساسية، وإلى جانب كل هذه العوامل أؤمن بوجود ما أسميه الحدس الشعري الذي يقود إلى الصورة الأجمل والنص الأكمل، وقد يحتاج هذا من الصبر والاجتهاد ما يستسلم عنده كثر في مرحلة ما، فالموهبة فتيل شمعة الاجتهاد.. من جانب آخر تشكل ظروف الحياة الراهنة عائقاً كبيراً أمامنا لتكريس الوقت والطاقة الكافيين للعمل على مشاريعنا الإبداعية.
*الشعر لعبة لغوية كبيرة فكيف تعاملت معها؟ ومتى ينجح الشاعر في إتقانها؟
**أعتقد أنني ما زلت في أول هذه اللغة، ولا شك أنني أقف تحت عباءات لشعراء كثر حتى الآن في علاقتي مع اللغة، فبناء الصوت الشعري يحتاج إلى وقت طويل ورحلة شاقة من القراءة والعمل، والأهم من ذلك يحتاج إلى تجربة حياة غنية وإلى روح لا تكف عن الدهشة والسؤال، والشاعر ينجح في إتقان هذه اللعبة عندما يكفّ عن تسليط اللغة على الأشياء ويبدأ بالبحث عن اللغة داخل الأشياء في صميمها بحثاً يشوبه العطش إلى الجمال.
*حدّثنا عن ديوانك الأول والوحيد حتى الآن "أجنحة تحاول فهم الريح" على صعيد الشكل والمضمون.
**أعتبر ديواني الأول محاولة أولى تحمل روح عمرها، فقد كُتب في مرحلة الاستيقاظ إلى الحياة في تحول جذريّ لشخصية الإنسان من فتى إلى رجل.. والديوان يحمل قصائد تفعيلة وقصائد عمودية، وهي تارةً تمثل الشاب المندفع في عوالم الأنوثة الزاهية، عاشقاً أو مستكشفاً أسرارها، وتارةً الشاب الذي تجرف الحرب بلاده ولا تترك في ذاكرته إلا الدخان، وتارة الإنسان الذي يقف متأمّلاً رحلة الحياة والمعرفة بكل أبعادها الوجدانية والفلسفية.
*ما هو جديدك في عالم الشعر؟
**أرجو أن تكون رحلتي في "أمير الشعراء" محطة تدفعني أكثر إلى داخل الشعر، وأعني هنا القراءة والحب والحياة.. الشعر ابن التجربة، ولا يمكن أن يكون إن لم تكن التجربة غنية كما ينبغي.. هذا كل ما أفكر به.
الشاعر يزن عيسى من مواليد ريف صافيتا 1998 درس هندسة التحكم الآلي في جامعة طرطوس وماجستير إدارة الأعمال في الجامعة الافتراضية السورية، وقدم العديد من المشاركات الثقافية والشعرية في مهرجانات وأمسيات ثقافية في سوريا وخارجها، وحاز على عدة جوائز محلية ودولية منها: جائزة "كلمات الأمل" الموجهة للشباب الناطقين باللغتين العربية والألمانية–شتوتغارت 2022 والمركز الثاني في جائزة اتحاد الكتاب العرب للأدباء الشباب–طرطوس 2020 وجائزة نسيب عريضة في حمص 2021 كما فاز بالجائزة الثانية ضمن جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2024 عن فئة الشعر، وصدر له ديوان شعري مطبوع بعنوان "أجنحة تحاول فهم الريح".