من عروض مهرجان قرطاج "22": مسرحية" 18 اكتوبر"...متوالية العبث السياسي ..والعودة بالتوافق التونسي الى المربع الاول.
2021 ,09 كانون الأول
رسمي محاسنة: صوت العرب – تونس.
ضمن عروض الدورة 22 لايام قرطاج المسرحية، قدم المخرج"عبدالواحد مبروك" مسرحية "18 اكتوبر" عن نص للكاتب"بوكثير دومة"،والاسم مستوحى من تاريخ في محفور بالوجدان التونسي، عندما التقى "التجمع واليسار التونسي"،ومانتج عن هذا اللقاء من تداعيات،وتنازلات، وتواطؤ انعكس على مجمل الحياة السياسية.
يفتح العرض على 3 شخصيات كل واحد منهم وعاء مليء بالرمل،ليضع المتفرح في اجواء الحالة التي تعيشها الشخصيات، والحالة العامة، حيث الفراغ الموحش والخواء.
ويتوالى رصد الحالة العامة للبلد من خلال حالة تداعي الكلام عن انسداد الافق، والخيبات المتوالية، والخراب والفساد،والامال الوطنية التي تبخرت في اجواء سرقة الثورة، او فقدانها للبوصلة الوطنية المنحازة للانسان العادي،واجترار الكثير من الكلام والشعارات عن الحرية والوعود،والالتزام بالقيم الوطنية، كل ذلك في اجواء اقرب للهذيان السياسي،وصورة عن حالة الشعارات المفرغة من المضامين الحقيقية، وعدم اليقين الذي ترشخ عند المواطن،بعد ان فقد الثقة في كل شيء.
بعد سنين من التلاقي والتوافق بين الاحزاب،والذي افضى الى لاشيء،وبعد ثورة عمقت الاحساس باللاجدوى،يلتقي صديقان قديمان، مختلفان في الموقع السياسي، لكنهما يشبهان بعضهما البعض، من وقع عليهما من خذلان الاحزاب، حيث "العروسي" المنتمي للفكر الاسلامي السلفي، والذي كان يمني النفس باقامة دولة قائمة على الشريعة الاسلامية،والمحبط حد الخذلان، بسبب ذلك الاتفاق الذي ابرمته جماعته مع الخصم اللدود" اليسار".
وايضا "عمار" اليساري المؤمن بالتغيير، والحالم بدولة حقق العدالة والرفاه الاجتماعي، والمساواة باقتسام ثروات البلد، والذي هو الاخر خذله الرفاق.
انه الخذلان المركب،على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام، على مستوى الفرد وعلى مستوى الحزب،فالتوافق اساسا لايقوم على معمار صحيح، لذلك كان من الطبيعي ان تؤول الامو الى الطريق المسدود.
 الشخصية الثالثة هي "حليمة" زوجة"العروسي" المنقبة،والتي كان لها ملاحظات على على هذا التلاقي بين الصديقين، ونعرف لاحقا انها كانت على علاقة سابقة مع اليساري" عمار" صديق زوجها.
يتكيء العرض على هذه اللحظة التاريخية بكل مالها وماعليها"18 اكتوبر"،لكن العرض يفقد البوصلة،ويكون الاشتغال على اسئلة ملتبسة،ويعيداحتمالية التوافق بين" الصديقين"، بعد ان يقنع"عمار" صديقه "العروسي" بتجديد حلم الهجرة،وطلب اللجؤ الى دولة اوروبيه،ويقع العرض في تبرير،قاصر وغير مقنع، عندما يقترح على صديقه "السلفي" بان الوسيلة المتاحة لقبولهما في اوروبا،والحصول على حق اللجؤ السياسي،هذه الوسيلة هي ان يعلنا بانهما"مثليين جنسيا"،ليعمق العرض جنوحه بالذهاب بعيدا،فالتوافق التونسي باحزابه ومؤسسات المجتمع المدني ليس "زواجا مثليا"،وبالتالي كانت الرؤية قاصرة وغير مقنعة في قراءاة وتحليل المشهد الاجتماعي والتونسي بمكوناته المختلفه، وذهب العرض الى مايشبه التهريج وهو يقدم هذا المقترح – حجة الزواج المثلي بين العروسي وعمار- .
لكن هذا الحلم بالهجرة، يتكسر مثل بقية الاحلام، فالتشوهات عميقة،ولاتوجد ارضية صلبة للتوافق، انما هي مناورات سياسية اّنية الطرح، من اجل مكاسب خاصة، وليست بهدف وضع "تونس" بالموقع الذي تستحقة،وان طرح العرض المسرحي لمسالة التوافق تضعنا امام اسئلة ملتبسة،ولم تقدم الرؤى العميقة في قراءة هذه الحالة الاستثنائية.
ونتوقف عند المشهد الاخير،حيث تقف "حلية" في عمق المسرح، وسط اضاءىة مستطيلة، تعطي دالالة الطريق والامل، هذا المشهد الذي يحيلنا الى تفسيرات عن دلالاته، فهل تمثل "حليمة" المراة التونسية الامل؟ وهذه الدلالة لم يقدم لها العرض، فهي ك"امراة" لاتمتلك الارادة والقدرة على التغيير.
ام انه يقصد ان هذه هي "تونس" رغم كل التناقضات والتجاذبات، فهي حاضرة وقادرة على فتح الباب على حياة جديدة، وهنا لو اخذنا بهذا المعني، فاننا نتساءل عن كل تلك الخطابات والشعارات والخيبات التي تضمنها العرض، وبالتالي يضعنا المخرج مرة اخرى امام اسئلة العرض الملتبسة.
مسرحية « 18 أكتوبر » المشاركة في الدورة 22 لايام قرطاج المسرحية، وعرضت في قاعة "المونديال"،من تأليف "بوكثير دومة "وإخراج "عبد الواحد مبروك" وتمثيل "محمد قعلول وبلقيس الجوادي وعبد العزيز قزي"..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون