من عروض قرطاج:المسرحية العراقية - البلجيكية "جمهورية الخوف".
2022 ,05 كانون الأول
صوت العرب:قرطاج - تونس.
ضمن قسم "مسرح العالم" وفي إطار فعاليات الدورة الثالثة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية احتضنت قاعة المونديال عشية الأحد 4 ديسمبر العرض العراقي البلجيكي "جمهورية الخوف" للمخرج حسن خيون في قراءة معاصرة لكتاب كنعان مكية يحمل نفس العنوان.
ينطلق العرض بتصدير على الشاشة الكبيرة آخر الركح يحذّر: "انتبه لما تقوله فقد يكلّفك ذلك حياتك" ليدرك المشاهد مباشرة أنه أمام عمل يدنو من الأخطار التي يواجهها المواطن العربي جرّاء الإفصاح عن أفكاره ومواقفه، ويمضي النص موضّحا أنه في زمن مضى كان ما يمنع الناس من القول هو الخوف من بطش صدام حسين أما الآن فالخوف له أكثر من مصدر، حيث يمكنك نقد النظام والسلطة الحاكمة والوزراء لكن لا يمكنك الاقتراب من المليشيات المسلحة التي قد تتهمك بالتعامل مع أمريكا وإسرائيل، المليشيات التي أحكمت قبضتها على وسائل الإعلام وصارت بوقا لها...
هكذا يضعك النص في قلب موضوع العرض، في قلب الخوف العربي وتحديدا الخوف العراقي الذي سكن القلوب والعقول وتحت الجلد المرتجف لمجرّد تذكّر ما حدث هناك... وما حدث لا يمكن نسيانه أو تجاوزه حتى برحيل العراقي إلى بلجيكا مملكة الحريات والديمقراطية حيث يعيش الصديقان (بطلا العرض) ويفترض أنهما يتمتعان في الساونا (حمام عصري) بكل وسائل إراحة الجسم وتخليصه من التوتر لكن ما يمنعهما من بلوغ تلك الحالة من الاسترخاء هي "ذاكرة الوجع" التي يحملانها رغم مرور سبعة عشر عاما على الإطاحة بحكم صدام حسين، في بلد الحريّات يعيش الصديقان واقعا سرياليا عاجزين على التكيّف مع  الراهن الجديد الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن الماضي المثقل بالوجع والخوف، يبدو أحدهما ساخرا مقبلا على الحياة يعدّد مزايا البلد المضيف وما يوفره من راحة وأمان وأجواء مرحة في الملاهي ونوادي السهر لكنّ قناع السخرية سرعان ما يسقط عندما يواجه بمواقف صديقه والخوف الذي يلازمه في كل خطوة يخطوها في الخارج ومن كل شخص يمر بجانبه حتى وإن كان شرطي مرور... "الخوف هو سبب كل الخسارات التي كابدها الإنسان" 
"جمهورية الخوف" بوح إنساني يتشكّل عبر السرد بُنية بصرية ولغوية تعمل على تفكيك مفهوم الهوية ومعاناة جسد غادر مكانه ويقاوم للعيش في مكان آخر له شروطه ومتطلباته... تزداد الصورة وضوحا عندما يجلس الصديقان تباعا أمام كاميرا لتقديم ما يشبه الشهادة أو السيرة الذاتية فيقول الأول (الساخر) أنه ولد سنة ألف وتسع مائة وحرب، لا يذكر من سنوات عمره سوى أن بلاده تنتهي من حرب وتدخل في أخرى، وأن نشرات الأخبار كانت تحصي عدد القتلى كأنها تسوق خبرا عاديّا وأن المنظمات الحقوقية كانت تستنكر وتندد بينما أعداد القتلى في ازدياد... أما صديقه قليل الكلام الرافض لكل وسائل الترفيه المتاحة في بلد الحريات، فقد اعتبر أن الأمل في حياة أفضل يحمله الجيل الجديد الذي اعتبره "المُخلّص" من الحروب العصبية العرقية والمليشيات... 
بديكور محدود وإضاءة ثابته وبثّ بعض المشاهد والنصوص عبر تقنية الفيديو جاء عرض "جمهورية الخوف" في حيّز زمني لم يتجاوز الساعة ليلخّص وجع جيل عراقي كامل لم تترك له الحروب المتتالية سوى "ذاكرة وجع" وخوف تغلغل في الجسد وسكن حدّ العضم ليتركه (الجسد) عاجزا عن طلب المتعة وممارستها يقاوم للعيش في مكان آخر رغم اختفاء وجه القاتل... لأن الحكام الجدد بعثوا خوفا جديدا بقواعد لعبة مختلفة.       
      
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون