من عروض مهرجان مسرح الطفل العربي: المسرحية التونسية "القيثارة السحرية".
2022 ,04 تشرين الثاني
محمد المشايخ:صوت العرب- الاردن.
    رغم اتكاء هذه المسرحية على الفنتازيا والغرائبية، لأنها من متطلبات مسرح ما بعد الحداثة، إلا أن فيها حمولة فكرية مهمة، ففي الوقت الذي يرى فيه بعضهم أن الديمقراطية هي الحل، ترى هذه المسرحية أن الموسيقى بخاصة والفن بعامة هو الحل، وفيها توعية ودعوة لليقظة، وجلد للصم والبكم الذين لا يعرفون ماذا يجري حولهم، وجلد للذين يرون أنهم الأقوى، دون أن يتخذوا أية إجراءات لديمومة هذه القوة وتفعيلها على الأرض، ووجود الفزّاعة في المسرحية، مرتبط بتراثنا العربي، فالفزاعة دمية يصنعها المزارع وتكون على هيئة شخص ممدود الأيدي والأرجل وهذا دليل على السيطرة والقوة، وتتم صناعتها من الخشب والملابس القديمة ويتم تثبيتها في الحقول، والغرض منها هو تخويف الطيور والحيوانات التي قد تغزو وتهجم على المحاصيل الزراعية وتصيبها بالخراب والدمار في معظم الأحيان..طبعا إنطاق الفزاعة وجعلها تتكلم في هذه المسرحية يدخل في إطار التشخيص الذي يعتبر أهم ما في البلاغة العربية حيث تتحول الدمية الجامدة إلى كائن حي يحاور ويتحدث.
    وثمة اتكاء آخر على الموروث الديني، حين قال أحد شخوص المسرحية:قبل أن يرتد إليك طرفك، الأمر الذي يعيدنا إلى قوله تعالى في سورة النمل حيث قصة النبي سليمان مع ملكة سبأ : ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وقبل أن يرتد إليك طرفك، هي المقصودة من إيراد هذه الآية، لأنه فيها دعوة لليقظة والوعي وسعة الرؤية.
    تسمو هذه المسرحية من خلال الغرائبية والفنتازيا بخيال الأطفال وبملكاتهم العقلية في آن، وتدفعهم لإشغال فكرهم لمعرفة ما يجري في واقعنا، واستشراف مستقبله للتنبؤ بما سيجري على ضوء الاجراءات المتخذة لمواجهة قوى الشر.
    في المسرحية مشهدان واقعي تقترب أحداثه التي تجري على خشبة المسرح قريبا من الجمهور، وافتراضي يجري خلف شاشات زجاجية يتحدث بعض الممثلين خلفها عن العفاريت والعالم السفلي، ليكون الفرج بيد كركر الذي يغنون له:العب العب يا كركر..أنت النور والمفر..
المخرج محمد الحبيب المنصوري، ابن تونس خضراء الأرض والقلب، عروس المتوسط، ومحطة انطلاق الربيع العربي، ومدير مهرجان البحر الأبيض المتوسط، يُحرّك ممثلي هذه المسرحية وكل عناصرها في سبيل جعل العرب يتخلصون من مشاكلهم على مختلف الصعد، ليس باللعب وحده، ولا بانتظار الفارس المخلص، ولكن بالتمسك بالأرض، والمحافظة عليها بكل ما أوتوا من قوة، عندها يعم النور والسلام، وينتصر الخير، وينهزم الشر، وبدلا من الإصغاء إلى دويّ المعارك، نصغي إلى موسيقى الأمن والأمان والاستقرار والتعايش السلمي. 
بذل الممثلون: محمد علي كشطان، أسماء العابد، عمر الشايب، هاجر عمار، ابراهيم الشيحي الذي لم يتمكن من الحضور من تونس فقام بدوره المخرج، بذلوا جهودا جبارة لتمثيل هذه المسرحية، لأسباب أربعة:الأول أنهم عوّضوا بحركاتهم الصعبة الموجعة والمتعبة للجسد لإيصال ما وراء الحروف الصوتية المقطعة التي كانوا ينطقونها مجزأة دون أن تشكل أي كلمة، والثاني أنهم حين كانوا ينطقون باللغة العربية الفصحى، وليس باللهجة التونسية، فإنهم مضطرون للتحدث بأعلى صوت، لأن الميكرفونات الهابطة من سقف المسرح كانت خلفهم وكانوا بعيدين عنها غالبا..والثالث، انهم وهم في قمة التعب والإرهاق كان مطلوبا من بعضهم أن يصعد فوق بعضهم الآخر، حقا اقدر الظروف التي كان الممثل فيها تعبانا وعاجزا عن أن يحمل نفسه، فكيف يحمل زميله من أجل إنجاح الأداء والدور، والرابع أنه كان مطلوبا من بعض الممثلين القيام بدور العفاريت حينا، والطيور في أحيان أخرى، ومن الصعب على البشر أن يتقمصوا ذلك الدور غير البشري، لكنهم تقمصوه وأدوه بنجاح.
أما موسيقى الفنان وليد ابو النور، فقد كانت دائما أعلى واسبق من أي حدث ومن أي كلام..سواء أكان الحديث عن القيثارة السحرية، أو في الموضوعات المتفرقة والحوارات الجادة التي اشتملت عليها، كيف لا والمسرحية بشكل عام تؤكد أن الموسيقى هي الحل..نعم بدأت هذه المسرحية بالموسيقى، وتوسطها اللعب، وانتهت بالغناء.
أما سينوغرافيا مهند العمراني، فقد نجحت في تشكيل المكان المسرحي، والضوء واللون، والفراغ، والحركة  وهي العناصر التي تؤثر وتتأثر بالفعل الدرامي الذي يسهم في صياغة الدلالات المكانية في التشكيل البصري العام.
لو عرضت هذه المسرحية في تونس، فإن ديكورها بالتأكيد سيكون أكثر وأكبر وأغنى، ولكنه كان كاملا متكاملا رغم أنه بدا لنا قليلا، ولكن ما وجد منه أدى الغرض، فالأهمية ليست في القلة أو الكثرة، وإنما دور الديكور في نجاح العرض المسرحي.
أما ملابس إيمان الورتاني فكلها في كفة، وما على رأس كركر وما على رأس الفزاعة في كفة أخرى، حقا إنها فنانة مبدعة، حين جعلت الملابس تشارك في الأداء وتعمل على إنجاح العرض المسرحي.  
يذكر أن كاتب هذه المسرحية الأديب الجزائري محمد الكامل بن زيد صدرت له سبع مجموعات قصصية وروايتين وله أعمال مسرحية للأطفال، وللكبار .
وفي النهاية نشكر شركة كاريزما للإنتاج والتوزيع الفنين، ونشكر وزارة الشؤون الثقافية التي دعمتها ومكنتها من تقديم هذا العرض المسرحي المتكامل والناجح.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون