المسرحية الليبية "الموقوف رقم 80" : الانتصار للانسان والوطن في مواجهة تغول السلطة.
2022 ,24 أيلول
السجين والجلاد في العرض الليبي "الموقوف رقم 80"
رسمي محاسنة: صوت العرب – الاردن.
ضمن مهرجان صيف الزرقاء المسرحي، شاركت المسرحية الليبية "الموقوف رقم 80"،للمخرج "عبدالسلام الطيرة"، عن نص "عباس الحايك"، حيث استدعاء الذاكرة المثقلة بالعذابات،والاختيارات المحكومة برغبة السلطة بكل اشكالها، ومايترتب على ذلك من ثنائيات القهر والظلم.
يفتح العرض على سجين يقبع خلف القضبان،يحاول ان يتماسك، وان يستقوي على العذاب النفسي والعذاب الجسدي، الذي يمارس عليه منذ 10 سنوات، قضاها ظلما بدون حق، في اقبية السلطة.
وعلى مقربة من الزنزانة، مكتب المحقق،هدفه الاساسي انتزاع اعتراف باي شكل من الاشكال من الموقوف،مهما كلف الثمن، ومابين الزنزانة ومكتب المحقق، مسافة قليلة،لكن هناك جدران ومسافات مابينهما،بين من يرى ان من حق الوطن عليه ان يشير الى مكامن الخلل،وبين من يرى نفسه انه "الوطن"، وانه هو صاحب الولاية بلا حدود وبلا مساءلة، والباقي مجرد قطيع يأتمر باوامرة دون مراجعة او حساب.
طوال العرض الصراع قائم بين الشخصيتين،يؤججه التناقض في الرؤى والمواقف،حيث المحقق الذي استكمل طريقه في سلك الشرطة بناء على رغبة والده، الذي يعمل محققا ايضا، وهذه تجربته العملية الاولى له في التحقيق مع السجين، وهو قادم بكل مايحمله من ارث تربى عليه في العائلة، والوسط البوليسي حوله، وبعجرفة كريهه،حيث عزز دراسته باكتساب مهارات حديثة في انتزاع الاعترافات بكل الاساليب، وعليه لايوجد خيار اخر امامه الا ان يخرج منتصرا في جولته الاولى.
ويتنقل المحقق مابين الحوار، والجلد والايذاء النفسي والصعق بالكهرباء، وكل الادوات المتاحة لاجبار السجين على الانهيار والاعتراف.
لكن السجين المؤمن ببراءة موقفه، لم تهتز قناعاته، وبين صرخات الالم المكتوم، كان يحمل في داخله قوة معنوية هائلة، تعينه على تجاوز الالم، والبقاء واقفا في مواجهة قسوة وافتراءات المحقق، وعدم اعترافه بان ماقام فيه يشكل خطرا على امن الوطن،انما هو لاصلاح اعوجاج السلطة، وهيمنتها المطلقة،ولم يؤثر فيه كل الاتهامات التي جاء بها المحقق، من كتابة المقالات، والخروج في المظاهرات، واحاديثة التحريضية ضد ظلم السلطة، وبقي متماسكا، امام هيجان المحقق.
وفي ليالي التحقيق والتعذيب الطويلة،يبدأ النبش في الذاكرة عند كلا الشخصيتين،فالسجين درس الهندسة ارضاء لرغبة والده الواقع تحت تاثير نظرة المجتمع، والذي يريد ان يكون "ابو المهندس"،لكن تطلعات الابن كانت مخالفة تماما، لان رغبته كانت بدراسة الصحافة، الاقرب الى نفسه وتكوينه وقناعته،ويريد ان يكون له دور في تنوير المجتمع وتعريفه بحقوقه وعدم خضوعه لكل ماتاتي به السلطة الحاكمة.
على الجانب الاخر، المحقق، كان يريد ان يكون طبيبا، لكنه خضع هو الاخر لرغبة والدة،بان يكون ضابطا، ويستكمل طريق الوالد، وهنا اشارة ذكية الى توريث السلطة،والاستئثار بمقدرات الوطن،وان تبقى بيد عائلات بعينها، تتوارث الاستبداد والتحكم بالناس.
وفي لحظة عالية من العرض،وامام صلابة الموقوف، تسقط عن المحقق قوته الزائفه، ويستدعي ذاكرته، وفي حالة من البوح يحكي عن بيئته ووالده، والابتسامة الغائبة عن البيت، والصفعات التي عرفها وهو وطفل، ومازالت،وصولا الى لحظة تبدو كانها رجاء للموقوف عندما يقول له" أبي سيصفعني إن عدت له دون أن انتزع اعترافك، سيصفعني، سيصفعني، أتفهم سيصفعني؟.
ينتصر العرض للانسان، وحريته،وتمزيق القناع الزائف للسلطة،وان حق الانسان وحق الوطن سينتصر، حتى لو ربح المسؤول المستبد بعض الجولات.
ويضعنا المخرج باجواء العرض، من خلال الديكور الموظف لخدمة الفكرة،حيث الزنزانة ومكتب التحقيق، وسطل الماء لارغام الموقوف على الاعتراف، والاجواء القاتمة، التي تحمل دلالة نفسية،وتعكس اجواء المكان والعلاقة بين الشخصيات، وتوظيف خيال الظل،والنزول المنتظم لقطرات الماء، بشكل مستفز،في سكون وظلام وعذابات الزنزانه، والاداء الواعي للممثلين، من خلال فهم لطبيعة الشخصية، وخلفيتها، والبيئة والمؤثرات التي ساهمت في تكوينها.
"الموقوف رقم 80"، لا مكان ولا زمان، انما على مساحة الوطن الكبير، مع تفاوت نسبي،حيث التعطش للسلطة، والشراهة في سرقة مقدرات الوطن والمواطن،وصرخة في وجه كل هؤلاء المارقين في حياتنا،ان توقفوا،وانه من حقنا وحق الوطن علينا ان نقول "لا" كبيرة، في وجوهكم القبيحة.
"الموقوف رقم 80" من تاليف" عباس الحايك"، واخراج "عبدالسلام الطيرة".
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون