غدا الثلاثاء:لجنة السينما/شومان تعرض فيلم"السقوط" للمخرج "تارسم سينغ".
2025 ,23 حزيران
صوت العرب:الاردن.
ضمن عروضها الأسبوعية المنتظمة،  تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان يوم غد الثلاثاء 24/6/2025 ،فيلم "بالسقوط" ،للمخرج "نتارسم سينغ"، وذلك بمقر المؤسسة بجبل عمان في تمام الساعة السادسة والنصف مساء. 
كثيرون يرون فيلم "السقوط" للمخرج تارسم سينغ علامة فارقة في سينما العقد الأوّل من الألفيّة، ليس فقط لجماليّاته البصريّة الأخّاذة، بل لقدرته على نسج حكاية إنسانيّة مؤثّرة من خيوط الألم والأمل والخيال الجامح.
تدور أحداثه الأوّليّة في مستشفى بلوس أنجلوس في عشرينيّات القرن الماضي، حيث يؤدّي ممثّل الحركات الخطرة المشلول، روي والكر (لي بيس)، دور الراوي لطفلة صغيرة تُدعى ألكسندريا (كاتينكا أونترو)، الّتي تشاركه عنبر المرضى وبعضًا من براءتها الفضوليّة ويستغلّها لتغذية إدمانه وهي تريد أن ترفع معنويّاته للمحافظة على شخوص القصّة الّتي تتخيّلها. من هذا اللقاء، تنبثق قصّة ملحميّة موازية، تصبح فيها عوالم الفانتازيا انعكاسًا مكبّرًا لمشاعر وأوجاع العالم الحقيقيّ لا لحكايته.
يكشف الفيلم عن شغف سينمائيّ نادر، فقد أمضى مخرجه سنوات وهو يجوب العالم، متنقّلًا بين ثماني عشرة دولة، ليصوّر مشاهده في مواقع طبيعيّة حقيقيّة وقصور تاريخيّة مذهلة. هذا الإصرار على الأصالة البصريّة، والاعتماد على المؤثّرات العمليّة بدلًا من الانغماس الكلّيّ في التقنيّات الرقميّة، يمنح "السقوط" ملمسًا فريدًا، ويجعل من كلّ إطار فيه لوحة فنّيّة نابضة بالحياة والتفاصيل. قرار سينغ بتمويل جزء كبير من الفيلم من ماله الخاصّ يؤكّد البُعد الشخصيّ لهذا المشروع، الّذي يتجاوز كونه مجرّد فيلم إلى كونه رؤية فنّيّة متكاملة.
تتجلّى قوّة "السقوط" في العلاقة المتطوّرة بين روي وألكسندريا. فالقصص الّتي يرويها روي، والّتي تستمدّ شخصيّاتها وأحداثها من محيطهما المباشر في المستشفى، تصبح ساحة معركة رمزيّة تعكس يأسه، ورغبته في الانتقام، وشوقه الخفيّ للخلاص. ألكسندريا، بعفويّتها وإيمانها المطلق بالحكاية، لا تستمع فقط، بل تتدخّل وتؤثّر في مسار القصّة، محوّلة إيّاها تدريجيًّا من أداة تلاعب بيد رجل يائس إلى جسر للتواصل والشفاء. لي بيس يقدّم أداءً عميقًا لشخصيّة روي المعقّدة، فيما تجسّد كاتينكا أونترو البراءة والإصرار بشكل يأسر القلوب.
من الناحية الفنّيّة، يمثّل الفيلم احتفاءً بالإمكانيّات اللامحدودة للغة السينمائيّة. تصميم الأزياء المدهش، الّذي أبدعته إيكو إيشيوكا، والتصوير السينمائيّ الّذي يحوّل كلّ مشهد إلى تحفة بصريّة، والتكوينات اللونيّة الجريئة، كلّها عناصر تخدم السرد وتعمّق من أثره. لا يمكن إغفال دور الموسيقى، وخاصّة استخدام السيمفونيّة السابعة لبيتهوفن، الّتي تضفي على مشاهد معيّنة طابعًا أُسطوريًّا ودراميًّا يرسخ في الوجدان. إنّ كلّ اختيار فنّيّ في "السقوط" يبدو مدروسًا بعناية ليخدم هذه الرؤية الّتي تمزج بين الحلم والواقع، بين الفانتازيا المفرطة الّتي تعاني انتهاكات النفس والدراما الإنسانيّة الصادقة الّتي تروي قصّة النفس.
استُقْبِل فيلم "السقوط" بإشادة واسعة لفرادته البصريّة وجرأته الفنّيّة، وإن كان البعض قد أبدى تحفّظات على إيقاع السرد أو تماسكه في بعض الأحيان. ومع ذلك، يظلّ الفيلم تجربة سينمائيّة استثنائيّة، تتحدّى التصنيفات التقليديّة وتدعو المشاهد إلى الانغماس في عالم يحتفي بقوّة الخيال وقدرة القصص على تغييرنا.
وممّا يتّفق عليه قطاع واسع أنّ "السقوط" يمثّل تأمّلًا عميقًا في طبيعة الإبداع، وفي كيف يمكن للفنّ أن ينبع من أعمق الجراح. إنّه فيلم يذكّرنا بأنّ الحكايات وإن كانت وسيلة للهروب من الواقع، فهي أيضًا أدوات لفهمه، ولإعادة تشكيله، وربّما لتجاوز آلازمه. يترك الفيلم أثرًا باقيًا، ليس فقط لجماله البصريّ، بل لصدقه العاطفيّ وللأسئلة الّتي يثيرها حول العلاقة بين الخالق ومخلوقاته، وبين الراوي والمستمع، في دائرة لا تنتهي من السرد والحياة.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون