غدا الثلاثاء :لجنة السينما في "شومان" تعرض الفيلم الفرنسي "في غابات سيبيريا" للمخرج "صافي بيبو".
2022 ,28 شباط
صوت العرب: الاردن.
تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يوم غد الثلاثاء، الساعة 6:30 مساء في مقر المؤسسة بجبل عمان، الفيلم الفرنسي" في غابات سيبيريا"، للمخرج صافي بيبو.
الفيلم ماخوذ عن رواية بالاسم نفسه للرحّالة الفرنسي سيلفيان تيسّون، وأطلق المخرج الفرنسيّ المعاصر صافي نبّو، عامَ 2016، فيلمه الروائي الطويل الخامس "في غابات سيبيريا"، الذي كتب له السيناريو بالاشتراك مع ديفد أولهوفن. يحكي الفيلم قصّة مدير تنفيذيّ باريسيّ يهرب من الحياة المدنية كلّها إلى أطراف مجاهل غابات سيبيريا، على شاطئ بحيرة بايكال المتجمّدة، لينفّذ حلم حياته بأن يخوض تجربة إنسانيّة عميقة، ويختبر الصمت والوحدة وسط الفضاء الواسع. هناك بعد نهر التايغا يدخل تيدي تجربة تعيد له الثقة بالإنسان، إذ يجد نفسه خارج مناطق نفاذ القانون، حيث ليس ثمّة ضمانة بين الناس غير الثقة. 
دفع "تيدي" (يلعب دوره رفاييل برسوناز) حدود التجربة الإنسانيّة لأقصاها، في طقس متطرّف، ومكان متطرّف، حتّى إنّه لا يتقن لغته. لا يصرّح الفيلم بسبب هروب تيدي من المدنيّة، تاركًا هذا التفصيل لكلّ منّا ليرسمه حسب مزاجه، مستخدمًا هذا التساؤل خطّافًا في بداية القصّة، ليورّطنا سريعًا في رحلته مع اكتشاف الحياة عن طريق مجاورة الموت. 
كعادة كثير من الأفلام المأخوذة عن كتب تروي تجربة فرديّة، يبدأ الفيلم بصوت الراوي (صوت تيدي نفسه) بما يشي بأنّ سبب رحلته أمر إنسانيّ مشترك، فهو في النهاية يعيد اكتشاف الأساسيّات، لكنّ هذا الصوت لا يدوم. انقطاع صوت الراوي بحدّ ذاته خيار فنّيّ يقول شيئًا، إنّه إضافة للمخرج على الكتاب، ففي الكتاب الكلمات هي وسيط الحدث، أمّا في عالم الصورة والفيلم فالأمر مختلف، الكلمات يمكن استبعادها. 
منذ اللحظات الأولى نرى أنّ المخرج يدعونا إلى رحلة نُسكت فيها الكلمات لنعيد قراءة العالم بحواسّنا، محاكيًا تجربة بطل القصّة الذي يكون محصورًا في البداية داخل شاحنة، لكنّه يفتح باب الشاحنة ويخرج جسمه منها وهي تسير، لتنفتح بعدها كوادر الفيلم على عالم بالغ الاتّساع. البطل يعانق حواسّه، ونحن نعانق مرحلة جديدة في كوادر الفيلم وحركة الكاميرا، يقول لنا: انتبهوا للصورة جيّدًا فهي لغتي من الآن فصاعدًا. 
في حين ترمّز موسيقا الفيلم (موسيقا خارجيّة في العموم) عالم المشاعر كما هو شائع، نرى أنّ إبراهيم معلوف يختار لموسيقا الفيلم الآلات ذات الصوت المستمرّ من الوتريّات ليعزّز الاستغراق الحسّيّ، على حساب الأحداث. ويؤكّد هذا الخيار مرّة أخيرة في نهاية الفيلم، حيث تعود الأحداث للواجهة. هل يستحوذ العالم بأحداثه على إدراكنا، فننسى في خضمّه أنفسنا؟ 
مبكّرًا يقدّم لنا مونتاج الفيلم وشايةً عن هذا العالم، إذ تعطينا القفزات السرديّة فكرةً عن عالم تسيطر عليه المشاعر، ليكون ترتيب الأحداث اليوميّة أمرًا غير مهمّ. يتعامل المخرج في هذا الفيلم مع معضلة يمكن صياغتها في سؤال: كيف أنقل غياب الحدث دون أن أتورّط في إشعار المشاهد بالملل؟ والمعادلة التي يحلّ بها صافي نبّو هذه المعضلة تمثّل درسًا سينمائيًّا.
رغم هذا كلّه، لا يفتقر الفيلم للإثارة، إذ يواجه تيدي الموت المحتمل عدّة مرّات، ويصل لتصالح معه. فهو يتعلّم من الموت درسًا في الحياة. 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون